بقلم/ مها متولي
ليالي ديسمبر طويلة، ربما لنحاول الاستمتاع بآخر العام. ويكون أكثر طولاً إذا كان بصحبة رضيعي. أستمع لأغنيتي المفضلة، اغمض عينَي، تبدأ موسيقى عمر خيرت تأخدني معها لأوائل العام، وتحديدًا بعد خمسة أيام من بداية السنة، علمت بخبر غرس نبتة جديدة في رحمي. أبتسم.. ألمس سلسلتي التي زاد عليها اسم جديد بجانب اسم ابني الأكبر، أتذكر مشاعر الخوف التي لازمتني طوال تسعة أشهر وأتذكر تلك الورشة ومغامرة الرقص مع جنيني.
تغطي شفتيَ ابتسامة، أحدث نفسي: “إزاي كنت مجنونة كده؟!”، ويحضرني قول رضوى عاشور في روايتها “ثلاثية غرناطة”: “ما الخطأ في أن يتعلق الغريق بلوح خشب أو عود أو قشة؟ ما الجرم في أن يصنع لنفسه قنديلاً مزججًا وملونًا لكي يتحمل عتمة أيامه؟ ما الخطيئة في أن يتطلع إلى يوم جديد آملاً مستبشرًا؟ !”.
وأحدث نفسي مرة أخرى “وإيه المشكلة في شوية جنان يلون الدنيا بهجة؟!”.
يبدأ منير في الغناء بكلمات جاهين:
بعد الطوفان نلقي الصديق الزين.. نتسندوا على بعض بالكتفين
من الصعب هذه الأيام أن نجد الصديق الجيد، الوفي، الذي تعتبره أخًا أو أختًا ليس الدم بينكما عاملاً مشتركًا، ولكنها الروح، فكل منا له طريقه في الحياة، لكن أينما ذهبنا فكلانا يحمل جزءًا من الآخر.
يخطر ببالي تلك الصديقة هدية الله لي لهذا العام. ربما صداقتنا لا زالت في طور نموها لكن هناك عدة مواقف أثَّرت في. أتذكر لحظة زيارتها لي بالمستشفى بعد ولادة ابني، لمستها الحانية، إصرارها أن أول تناولي للطعام بعد وضعي يكون بيديها، أتذكر إحساسي بتلك اللحظة كإحساس طفلة تحظى باهتمام من حولها. وأتذكر سعادتي بمفاجأة سبوع ابني في مكان الورشة.. فرحة أعضاء الورشة بي وبوليدي، أتذكر شعوري بالونس بالدفء والصحبة.
والهدية الأخرى هي صديقة من نوع خاص، لا أعلم كيف تولدت صداقتنا برغم من اختلافاتنا، لكنني أعلم جيدًا أن هناك شيئًا ما يجذبنا. روح من نوع مختلف نتواصل من خلالها.
ونقول حلال ده ولا حرام منبتديش العلام غير بالطوفان يعني؟!
فيسبوك يذكرني بجملة كتبتها منذ عام مضى “بدور على نقطه نور”، أبتسم وأتذكر في ذلك اليوم رأيت نفسي بصورة أخرى، صورة أضعف مما أنا عليه الآن، اكتشفت ظلام نفسي، جاهدت أن أتقبلها، أن أجد في ظلمتي بصيص نور. في ذاك اليوم اجتاحني طوفان خوفي من الرفض، فأنا وقد اقتربت من عامي الثامن والعشرين ليس لديَّ حياة اجتماعية، لأني أخشى الرفض، فأفضل أن أبقى بعيدة.
لكن بعد الطوفان بدأت شمسي في الشروق، لتبدد ظلمة نفسي، وعندها قبلت خوفي وقبلت أنه نتيجة طبيعية لما كانت عليه طفولتي. تذكرت قول صديقتي عن شعلة الحياة، وأصبحت أكثر وعيًا بأن هذا الخوف هو شعلة الحياة بداخلي، فهو الذي جعلني أهتم بتفاصيل المقربين وأتغاضى عن أخطائهم لتنمو علاقتنا، وأيقنت أن هذه الشعلة هي نقطه النور عليّ.
فقط أن أتحكم في مداها لتظل مضيئة، فلا هي تطفئني ولا تحرقني.
بعد الطوفان الجو شبورة
وجدتني عالقة في منتصف الطريق، تدور في رأسي كل الاسئلة المحيرة. من أين سأبدأ؟ وكيف لي أن أجتاز ظلام نفسي؟ أيامي كان يملؤها الضباب، لا أستطيع رؤية طريقي. أرى فقط ضباب ما بعد الطوفان.
ننده لبعض بهمسة مذعورة
امتلكتني كل إحساس الخوف والذعر، أبحث باكية عمن يأخد يدي ليرشدني الطريق. ظهر في خاطري طيف تلك الصديقة؛ أرسل لها رسالة: “أنا مش كويسة. خايفة. محتاجة أتكلم عن بكرة واللي جاي”.
بشويش نمد الإيدين يا اللي إنت جنبي إنت فين
بحثت عمن ظننتهم بجانبي لكن لم أجدهم. طلبت من الله أن يعوضني، أن يبدلني خيرًا منهم لأجد صحبة صالحة تدعمني وترشدني.
كان فيه طوفان وخلاص مبقاش طوفان
“لولا الألم ما ظهر الجمال”.. مايا أنجيلو.
مروري بمرحلة الألم هي مرحلة الشرنقة التي كان يجب أمُر بها لتظهر تلك الفراشة التي بداخلي وتنطلق، فبعد الطوفان تشرق الشمس، وبعد الألم يظهر أجمل ما في الإنسان.
انتهى منير من غنائه بكلمات جاهين لأنظر إلى صبارتي المزهرة، والتي أهديتها لنفسي بمناسبة العام الجديد، لأجدها تشبه العام الذي أوشك على الانتهاء، فقد كان مثلها مليئًا بالأشواك، إلا أن وجود طفلين، وشريك داعم ومُحب، وأمي وأخوَي، وصديقة ملهمة وأصدقاء قدامى ما زالوا قريبين رغم البعد، بالإضافة إلى فهمي لذاتي وقبولي لها.. كل هذا مع شغفي الجديد بالكتابة، تبدو كأزهار مبهجة تتوج عامي المنقضي.
بعد الطوفان نلقي الصديق الزين