حكايات لا تُنسى.. 4 كاتبات قرأت لهن للمرة الأولى

340

 

 

لقاء السعدي

يستعد العالم العربي بعد شهرٍ من الآن لبدء فاعليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، وهو الحدث الأجمل في العام لكل عُشاق القراءة، فالمعرض بمثابة عيدٍ للقارئ المصري والعربي على حدٍ سواء. في هذه الأيام تبدأ الإصدارات الجديدة بالظهور، غلافٌ هنا وآخر هناك، حيث يتسابق كل كاتب وكاتبة للترويج لعمله الجديد.

 

قبيل كتابة هذه السطور، شاهدت كاتبة عربية تُعلن عن روايتها الجديدة التي تحمل اسمًا غريبًا للغاية، تبين أنه تحريف لكلمةٍ تركية، ما ينبئ أن عددًا لا بأس به من الأعمال ستأتينا أسماؤها من إسطنبول، وهو أمر طبيعي مع هجرة الأعمال الدرامية التركية إلينا، وتزايد هجرة الشباب إلى تركيا، الأمر الذي يشعرني دائمًا أن إسطنبول هي إحدى محافظات قطاع غزة أو مدينة مصرية جديدة.

 

بعد أن فككت شيفرة اسم الرواية، كتبت منشورًا تهكميًا على حسابي الشخصي على موقع فيسبوك أعلن من خلاله أنني سأشارك في معرض الكتاب برواية “جبناء في زمن الـ “PUBGأو كتاب “ألف دعوة ولية على الإكس ابن المفترية”، شاركني الأصدقاء الضحك، ونسيت الرواية صاحبة الاسم الغريب، حتى رأيت الرواية صاحبة المحتوى العجيب.

 

للدقة لم أطلع على محتوى الرواية بالكامل، بل مقتطفات المفترض أنها تُروِّج للعمل الذي سيبصر النور في معرض الكتاب، أحد المقتطفات كان تبجيلاً في ذات الكاتبة موجهًا للرجل الشرقي الذي لن يعي ما تقول بالتأكيد، لأنه ليس بالعمق الكافي. تخيلت لوهلة كيف ستُطبع هذه الرواية عشرات الطبعات، ومن ثم ستصبح نموذجًا للأدب النسوي، هذا الأدب المسكين الذي تُلصق فيه كتابات كل من هبت ودبت، حتى طغى الغث على السمين.

 

عند هذا الحد قررت أن أتوقف عن متابعة الإصدارات الجديدة، حتى لا أصاب بذبحةٍ صدرية تحول بيني وبين معرض الكتاب، وبدأت أتذكر حصاد العام من الكتب الجيدة، لأجد أنه يتضمن أربع رواياتٍ من أجمل ما قرأت. يجمع الأعمال الأربعة أنها بأقلامٍ نسائية مبدعة، قرأت لهن هذا العام للمرة الأولى.

 

مقهى سيليني.. الغرق في سحر الإسكندرية

رواية “مقهى سيليني” هي العمل الأول للكاتبة المصرية “أسماء الشيخ”، فازت بجائزة “محترف نجوى بركات للرواية” في دورته الثانية التي استضافتها وموّلتها وزارة الثقافة البحرينية عام 2014.

أولى قراءاتي هذا العام ومسك البدايات، تدور أحداث الرواية في الإسكندرية، المدينة الأحب إلى قلبي، زمن الحرب العالمية الثانية، وقت أن كانت الإسكندرية قِبلة الإنجليز واليونانيين والإيطاليين.

 

تأخذ “أسماء” القارئ في رحلة بين عالمين مختلفين ظاهريًا، لكنهما يتشاركان نفس السحر، عالم مقهى سيليني وبطلته الإيطالية “بيتا” التي تُطارد شبح والدتها في رسائلها القديمة، وعالم بيت الحجام وبطلته المصرية “رقية” التي تُطارد شغفها بفن السينما في صالات عرض سينما الأربعينيات.

 

هذه الرواية العذبة، رحلة في قلب إسكندرية الأربعينيات الجميلة، بين الحارات الشعبية، حيث عالم الحجام، والشوارع الحديثة حيث مقهي سيليني. الإسكندرية رقعة الشطرنج الكبيرة، مدينة الشوارع المتوازية والمصائر المتقاطعة كما ورد على ظهر الغلاف.

 

الجدار.. نسيان الوجع بالمزيد من الوجع

رواية “الجدار” هي العمل الثاني للكاتبة المصرية “نورا ناجي”. العمل الأول رواية “بانا” والثالث “بنات الباشا” التي أمتلك نسخة منها، لكن أوفر قراءتها للأوقات الحالكة لثقتي الشديدة في قدرة قلم “نورا” على تبديد العتمة وإعادة رغبتي في القراءة إن زهدتها، ولأن التأجيل طال كثيرًا، فقد قررت أن تكون أولى قراءات العام الجديد.

 

تدور أحداث الرواية بين القاهرة، دبي، وسيول. وعلى عكس الكثير من الروايات التي تبدأ بقصة حب محكومة بالفشل، ومن ثم تستمر الأحداث في الولولة على الحب الضائع، فإن رواية “الجدار” تنطلق من قصة الحب الفاشلة إلى عوالم أكثر رحابة غنية بالتفاصيل الحقيقية والأحداث الملهمة.

 

بطلة الرواية تُدعى “حياة”، لها من اسمها نصيب كبير إلى أن تقع في غرام “خالد”، فيقتلها بتخاذله وضعفه، ويتركها مستنزفة لا حياة فيها، تضيق عليها القاهرة، فترحل إلى دبي باحثةً عن بدايةٍ جديدة وحياةٍ أخرى. في دبي تجد في “سعود” الصديق الداعم والسند الحقيقي، يساعدها على دخول مجال الصحافة، المجال الذي سيأخذها فيما بعد لمكانٍ أبعد، لسيول عاصمة كوريا الجنوبية.

 

الصحافة التي ساعدت “حياة” في ابتعاد قصتها مع “خالد” عن واجهة تفكيرها قليلاً، تعود لتجعل هذه القصة في الواجهة مجددًا، بعد أن فرضت الوحدة سطوتها على “حياة” في سيول، وكحيلةٍ لنسيان مأساتها الشخصية، تقرر “حياة” أن تغوص في مآسي العالم، فتحول جدار حجرة نومها ليكون شاهدًا على الفظائع المرتكبة في حق الطفولة، فيصبح الأطفال الضحايا هم سلواها كل ليلةٍ.

رواية “الجدار” رواية نفسية من الطراز الأول، غنية بالتفاصيل، ملهمة، وتستحق القراءة.

 

شجرة اللبخ.. حكايات من جراب الحاوي

رواية “شجرة اللبخ” هي الرواية الثانية للروائية المصرية المتميزة “عزة رشاد”، بينما الرواية الأولى حملت اسم “ذاكرة التيه”.

في هذه الرواية قدمت “عزة رشاد” رؤية مغايرة للريف المصري، بعيدًا عن النمطية المعتادة للريف حيث البساطة والسلام والرضا. فالقرية في روايتها مكان تسيطر عليه سطوة الخرافة، فيقيم أهلها لسيد القرية “رضوان البلبيسي” بعد وفاته مقامًا للتبرُّك به، رغم ما عُرف عنه من تسلطٍ وفجور.

 

“رضوان البلبيسي” المحور الذي تقوم عليه الرواية، وتتفرع منه الشخصيات فالحكايات، “صافيناز” الزوجة الأولى المتسلطة التي وهبت ثروتها وحياتها لزوجها زير النساء، وعندما عجزت عن إنجاب الولد، جاءها بـ”سعاد” الفلاحة الفقيرة لتكون الزوجة الثانية التي لا كرامة لها، مجرد وعاء سيحمل الولد المنشود “فارس” التائه في ذاته، العاجز عن إيجاد الحب. ومن ثم هناك حكايات أخرى: “ليلى” شهيدة الحب، “مدكور” الذي يحيا لينتقم فقط، “متولي” الأراجوز الساخر، “همام بن مبارز”، “شفاعة”، “جميلة”، كل اسم وراءه حكاية منسوجة ببراعةٍ شديدة.

 

“شجرة اللبخ” تحفة أدبية تُذكِّرني بروائع نجيب محفوظ، رواية بديعة أخذتني في عالم القرية المصرية الذي لم أكن أريد مغادرته، تفاصيل بسيطة كثيرة تضافرت معًا لخلق ذلك العالم شديد الخصوصية والجمال، ما يؤكد أن “عزة رشاد” حكَّاءة بارعة لا تُمل.

 

نسكافيه مع الشريف الرضي.. إعادة اكتشاف الذات في الآخر

مسك الختام مع رواية “نسكافيه مع الشريف الرضي”، الرواية الأولى للكاتبة والمترجمة العراقية “ميادة خليل” التي تعيش في هولندا منذ سنواتٍ عدة.

تدور أحداث الرواية في هولندا، التي هاجرت إليها بطلة الرواية “آمنة” بعد أن ضاق العراق بأهله، فتركوه للظلم والحرب، وتشتتوا في كل بقاع العالم.

 

“آمنة” المرأة الخمسينية الوحيدة، بعد وفاة زوجها، وزواج أولادها، تجد في الطعام سلواها الوحيدة إلى أن تعلم بانتحار جارها الهولندي “ديفيد”، فيصبح اكتشاف حياة “ديفيد” سلواها الجديدة، بعد أن حصلت على بعضٍ من مقتنياته.

لوحة كبيرة، صندوق خشبي وبعض الكتب من بينها “ديوان الشريف الرضي”، هذه مقتنيات “ديفيد” التي بدأت من خلالها “آمنة” رحلة التعرف على “ديفيد” المتزوج من عراقية تُدعى “سلمى” هي التي رسمت اللوحة الكبيرة.

 

التعرف على “ديفيد” و”سلمى” يقود “آمنة” لتتعرف على ذاتها التي انزوت في الغربة مع زوجٍ لا يُحسن معاملتها، كما يقودها أيضًا لتعيد مراجعة الماضي وقت أن كانت في بيت أهلها، لتكتشف أن ذلك البيت لم يكن سيئًا كما ظنت، فقد تبينت مع السنين أن مرارة الغربة أشد سوءًا، ما يدفعها لإنهاء هذه الغربة والعودة للوطن من جديد، العودة للعراق.

 

“نسكافيه مع الشريف الرضي” رواية إنسانية تزخر بالتفاصيل البسيطة لكنها عميقة الأثر، تشعر معها بأن الكلمات والتعابير تسري في أوصالك، تتخلل ثنايا روحك، وكأنك في رحلة بحث عن ذاتك أنت لا ذوات الأبطال، رواية عذبة تصلح لتكون خاتمة قراءات هذا العام، ويحق عليها القول بأنها مسك الختام.

 

 

 

المقالة السابقةعامي في أغنية
المقالة القادمةصندوق المرات الأولى

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا