خلاص كلكم عارفين فان جوخ؟!

767

 

بقلم/ منة الله فتحي

الأسبوع الماضي ذهبت لأشتري تذكرة لفيلم “حبًا في فينسنت”، المعروض في بانوراما الفيلم الأوروبي. كانت تذاكر الفيلم كلها مباعة، لم أجد حتى تذكرة واحدة، لم أيأس أو أستسلم، ركبت أول أتوبيس متوجهة من وسط البلد للزمالك حتى أشتري تذكرة لدخول الفيلم في سنيما الزمالك، وكانت المفاجأة أن التذاكر في سنيما الزمالك أيضًا انتهت، “خلاص كلكم عارفين فان جوخ؟!”.

 

بالنسبة لي كنت في حيرة من أمري، هل الفيلم مشهور لهذه الدرجة أم أصبح فجأة الجميع فعلاً يعرف فان جوخ؟! “طيب أفرح عشان عندنا وعي وكده ولا ده لأن فان جوخ أصلاً ترند؟!”، ربما يعرفه البعض، فله قصة شهيرة أن قطع أذنه وأعطاها لحبيبته، بغض النظر عن صحة هذه الشائعة، فربما يكون فان جوخ مشهورًا.. ولكن مشهور حتى أن التذاكر كلها تنفذ ولا أجد تذكرة!

 

شعرت بخيبة أمل لعدة أسباب، أهمها أني بالفعل كنت بانتظار الفيلم، وكلي أمل أن أشاهده في قاعات السنيما ذات الشاشة العملاقة، فمهما كانت شاشة اللابتوب كبيرة فهي صغيرة بالمقارنة؛ الفيلم في السنيما “برضو حاجة تانية”.

 

وعلى صعيد آخر هل العدد الذي يعرف فان جوخ الفنان العالمي يعرف أيًا من فناني مصر التشكيليين؟ هل إذا صُنِع فيلم عن فنان تشكيلي مصري -والأمثلة كثيرة- ستنتهي التذاكر من السنيما ولن أجد أيضًا تذكرة لي؟ فإذا كانت هولندا لديها فان فلدينا أسماء تملأ مجلدات.

 

ربما لا، فالفنان التشكيلي في مصر كائن بوهيمي يفعل ما يحلو له، لا يتحمم سوى في المناسبات، ويرتدي “هلاهيل”، ربما قميص وردي اللون بفتحة صدر لا تعلم متى ستصل إلى نهايتها، سلاسل وبنطلون ساقط ملطخ بالألوان، ولن أتحدث عن هيئة شعره، سأترك لخيالك هذه المهمة، ولكنك في النهاية تتخيل الهيئة التي استقرت في ذهنك من الأفلام العربية القديمة، التي لا تملك سوى تلك عن الصورة عن الفنان التشكيلي، فهل ستتغير هذه الصورة بسهولة؟

 

من ناحية أخرى تقبل العالم فكرة أن فان جوخ كان مريضًا نفسيًا يحب امرأته كثيرًا، حتى أنه قطع أذنه -ابن المجنونة- وأعطاها لها، لم يحكم عليه أحد، أحبوه وأحبوا أعماله، يتهافتون على شرائها حتى الآن بمبالغ خرافية، رغم أنه مات شحاذًا ولم يبِع لوحة واحدة “توحد ربنا في حياته”، ولكن هولندا روَّجت جيدًا لفان جوخ، وجعلت من قصة حياته مأساة العالم كله تعاطف معها وتقبلوا فكرة انتحاره بمنتهى الحب، وينظرون للوحاته بعين الإعجاب بعد أن مات غالبًا من الإحباط، لأن “محدش نفَّعه أبدًا”.

 

استغل الإعلام قصته المثيرة المليئة بالكآبة والإحباطات، وقصة حبه المأساوية، وانتحاره الدرامي، روَّجت له ولفنه حتى صار أيقونة عالمية تُطبَع لوحاته الآن على الملابس والأكواب، حتى أنها أصبحت “ترند” في عالم الأزياء. الميديا التي تصنع المعجزات توجه العالم أجمع نحو حب فنان أو حتى نحو كراهية آخر، تصنع النجوم والأمجاد، تخلق القصص المثيرة وتساعد على الانتشار.

 

كل هذا و لا أعلم لماذا تهمل السنيما المصرية والإعلام فناني مصر الأسوياء “ولا هو لازم حد يقطع ودنه وينتحر يعني؟!” حتى يعلم العالم بأمره، فبالرغم من أن الكثير يعلم بشأن فان جوخ فلا أحد يعلم أن تمثال نهضة مصر القائم أمام بوابة حديقة الحيوان بالجيزة، هو من أعمال الفنان محمود مختار.

 

مصر لديها رصيد مهول من الفنانين التشكيليين، منذ بدء النهضة الفنية لم يتحدث الإعلام باهتمام عن الفنان في حياته، ولا حتى بعد مماته، ولا حتى بالصدفة، اللهم بعض التقارير على قناة النيل الثقافية “اللي محدش بيتفرج عليها غير اللي شغالين فيها”، لذلك الفنان المصري لا يستطيع -حتى وإن أراد- أن يفرض نفسه على المشاهد.

 

والسنيما أيضًا مُقصِّرة من وجهة نظري، وإن كان التليفزيون والإعلام مقصرين، فالسنيما والدراما لهما نصيب الأسد من التقصير، فحتى لو لن توثق تاريخ الحركة الفنية في مصر ولن تهتم بالفنان التشكيلي نفسه، ولن تحكي قصص نجاح العديد من فناني مصر الذين وصلوا للعالمية، ولا أنت مهتم بخلق فان جوخ مصري تنتهي تذاكر عرض فيلمه من السنيمات، فعلى الأقل لا تظهروه دومًا بصورة “عيسوي”.. فالفنان الحقيقي يستحم “عادي”، يأكل و يرتدي ملابس عادية مثله مثل بني جنسه، فلا داعي للمبالغات والادعاءات و”الحاجات الغريبة اللي بنشوفها دي!”.

ماذا لو صُنِع فيلم عن فنان تشكيلي مصري؟!

 

 

 

 

المقالة السابقةباولا.. حكاية أم فقدت ابنتها
المقالة القادمةفن اللكاعة
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا