بقلم: ندى عصفور
كنت دائما أحب الحدائق أو الشرفات المطلة على الشارع، فأنا شخصية محبة لتأمل كل شيء حولي من الطبيعة للبشر للبيوت لملامح الحياة بأثرها. ولكن عندما تزوجت وجدت أن شرفة منزلنا لا تطل إلا على بيوت لم تسكن بعد وحديقة عذراء لم تزرها الأشجار والورد والنباتات، فكرهتها وهجرتها بل كنت أعتبرها جزءً لا صلة له بمنزلي.
كنت أعتبر تنظيفها هما ثقيلا على صدري، فلا أبالي بما يلاحقها من غبار أو أتربة، كل وظيفتها عندي أنها تجعل الشمس تتخلل طيات منزلي الحبيب في أوقات الصباح، غير ذلك فلا وجود لها بالنسبة لي.
ولكن منذ وقت قليل بعد أن كبرت بناتي عشقن اللعب فيها والاستمتاع بالوقوف والجري بين ثناياها، فبدأت أهتم بها من أجلهم فقط، فأنا لا أجد فيها جمالا. ولكن ما ظننته قبيحا يوما كان يحمل في طياته كل ملامح الجمال، وشعرت كم أني كنت مخطئة في حكمي عليها، فأنا لم أهتم بها لتظهر لي مدى جمالها.
فقد وجدت أن تلك الحديقة التعسة ما هي إلا ملجأ لهدهد جميل يزورها من حين إلى آخر، يبحث عن طعام فيها ويسير بكل أمان بين رمالها متباهيا بتاجه الجميل، الذي يزخرف رأسه ويميزه و منقاره الطويل، فكم أحببت جاري الهدهد وأحبه أطفالي، وأصبح الصباح بالنسبة لنا يكمن في متعة مشاهدة هذا الهدهد بتاجه ومنقاره.. نبتسم كلما رأيناه.. نبحث عنه بأبصارنا.. نحزن كثيرا عندما لا نجده.
بالفعل ليس كل ما هو قبيح بالنسبة لك سيئ، فربما يحمل بداخله لك كل معاني الجمال، فقد علمتنى شرفتى الحبيبة أن لا أحكم على الشيء عن بُعد، وألغت عندي إيماني بمقولة: “الكتاب بيبان من عنوانه”، فبالفعل ليس كل ما نراه بأعيننا هو الحقيقة، ولكن الحقيقة تظهر إذا تأملنا وأحسسنا بكل جانب فيها، فقد نخطئ في حكمنا على بعض من خلال ما نسمعه أو من خلال مظهرنا الخارجي، فليس كل ما تحمله ملامح وجهنا هو حقيقة ما نخفيه في قلوبنا.
فقد نستطيع التحكم فيما نظهره للناس، ولكن من يعاشرنا ويعرفنا عن قرب ويحبنا ويهتم بأمرنا لا نستطيع أن نخدعه، فالحب والاهتمام وحسن الظن قد يظهر لنا من القبيح شيئا جميلا، لذلك أوجب علينا الحرص قبل اتخاذ أي قرار في أي شيء، فربما يكون هناك شيء لا نراه بأعيننا ولا تشعر به قلوبنا.