من أُوتي السَنَد فقد نجا

428

 “اللهم نجنا من الشرير” دُعاءٌ قد يبدو مقبولا ومنطقيا غير أنه -للأسف- لا يكفي وحده، فأمر النجاة يلزمه الكثير من التفاصيل الأخرى، التي يجب توافرها من أجل القُدرة على هزيمة الوحوش، التي نلقاها بالرحلة من وقت لآخر، بعضها نملكه نحن، والبعض الآخر علينا أن نُمنَحُه.

أحد تلك التفاصيل هو وجود الدعم والسَند، الذي نستطيع أن نضعه خلف ظهورنا أو بجانبنا فنتكئ عليه عند التعب لنستريح، وهذا أمرٌ لو تعلمون عسير.

فالحقيقة العارية كالتالي:

ليس كل من حولنا -مهما كانت قوة علاقتنا بهم- سيبقون عند الجَد، حين تتأزم الأمور فتُثقلنا ونصبح عبئا على أنفسنا ومن ثَمّ على الآخرين، أما هؤلاء مَن سيَبقون بالفِعل فليس جميعهم يملُكون القُدرة على الإفادة، ومَنح العون بشكل صريح وملموس، حيث تميل الغالبية لتقديم المُساعدة، ولكن من خلال عرض الأصلح من وجهة نظرهم الشخصية لا ما يتوافق مع ما نحتاجه نحن.

وحدهم الذين سينجحون في اجتياز كل العقبات والفِخاخ، التي وضعناها كي ننعزل عن العالم، من سيعرفون كيف يُقدمون النصيحة والحلول الإيجابية القادرة على انتشالنا أو إزاحتنا عن الهاوية ولو بضع سنتيمترات.

لذا وبحسبة بسيطة، إذا كانت دائرة أصدقائِك تضُم 20 صديقا على سبيل المثال، 5 منهم مُقربين -وهذا رقم كبير بالمُناسبة- فأيا كان عدد من سيُقدمون العون ستكونين محظوظة إذا وجدتِ واحدا منهم يستطيع المُساعدة بشكل فعَّال.

ليس معنى ما سبق أن نفقد الأمل أو نتقوقع ونهرب عند الأزمة، مُوصدين أبواب الروح أمام الآخر، لكن معناه أنه رُبما حان الوقت للحَد من سَقف التوقعات، وإعادة تقدير دور السَنَد بحياتنا، والشعور بالامتنان الحقيقي تجاه القادرين على توفيره لنا، وشُكرهم من خلال تركهم يُساعدوننا بالفِعل دون مُكابرة.

والسَنَد نوعان: نوع نحتاجه، وآخر نمنحه لهؤلاء من يحتاجونه أو ينتظرونه منا، لتصبح المُعادلة مُتكاملة، ومُتبادلة لا يصح فيها نِصف دون الآخر.

النوع الأول الذي نحتاجه بمثابة القَشة التي نتعلق بها قبل الغَرَق، ليس لأننا ضُعفاء، ولكن لأننا لا نملك كل شيء، تلك هي سُنة الحياة، قَشَّة لن تُنَّجِينا بمفردها، هي فقط تُلَوِّح لنا بطوق نجاة سنُمسِك به بين يدينا إذا اشتغلنا على أنفسنا، واجتهدنا كي نُحسن استغلال كل الكفوف الممدودة إلينا بشكل مثالي يدفعنا للأمام، فنتجاوز المحنة ببعضٍ من المُساندة، والأهم بمجهودنا في الأساس.

أما النوع الثاني فنتبادل فيه الأدوار، لنصبح السانِد لا المسنود، نَمد يَد العون لهؤلاء من تتلاطمهم الحياة،  ونُساعدهم على تسليط الضوء على الطُرق المُمتدة أمامهم، لكنهم يعجزون عن رؤيتها بفعل الضباب الذي يُحيط بهم، فنوسِّع لهم الدوائر كي لا يختنقوا، نُمَهِّد لهم الرحلة ونُلَطِّفها قبل أن يأتي دورهم لاستجماع شجاعتهم وآخذ خطوات للأمام، حاملين العبء الأكبر، مُطمئنين لأننا هناك موجودين على جانب الطريق طوال المشوار لتخفيف الوَحشَة.

بين أن نكون سَنَدا ومسنودين تختلف حالتنا النفسية، المزاجية، بل والعقلية أيضا، كذلك يختلف قَدر طاقاتنا الإيجابي منها أو السَلبي، لذا ليس من العار في شيء أن (المليان يكُب على الفاضي).

فاللجوء للمُساعدة خيرٌ من اليأس واستقدام النهاية، في الوقت نفسه علينا أن نُدرِك أننا نتبادل الأدوار من وقتٍ لآخر، لذا أن نحتاج المُساعدة اليوم، معناه أننا سنمنحها لآخرين بالغَد، وهو ما يجعل الدائرة موصولة فنستطيع النظر في المرايات دون أن نشعر من داخلنا  أننا انكسرنا، أو مديونين.

“نحلم.. نسند.. نكون”

الشعار الذي يجب التَحَلِّي به دائما وأبدا، كيف لا وهو أوله “الحلم” الشغوف، والسعي من أجل تحقيق ما نطمح به، وأوسطه “السَنَد” العامل المُحفز الذي بدونه ستنهار المُعادلة كلها إذ وحده القادر على حَث البائسين/اليائسين على استكمال مسيرتهم بالحياة والتَطَلُّع للغد، من أجل أن يظلوا صامدين بوجه هذا العالم، عسى أن يصلوا وَجهَتهم المنشودة بالنهاية، فـ“يكونون”!

المقالة السابقةجاري الهدهد الجميل
المقالة القادمةالكتابة التي تشفي الأحزان
ياسمين عادل
امرأة ثلاثينية متقلبة المزاج، أعشق الرقص على السطور كتابةً، أُحب الفن بمختلف أنواعه وأعيش عليه. والآن كبرت وصار عليّ أن ألعب في الحياة عشرات الأدوار طوال الوقت، لأستيقظ كل صباح أُعافر حتى أستطيع أن أُحاكي بهلوانات السيرك فأرمي الكُرات المُلونة بالهواء ثم ألتقطها كلها في آنٍ واحد.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا