تمهَّل

997

 

بقلم/ أمنية شفيق

 

منذ أن شق طريقه إلى هذا العالم يتعجلون سماع صوته، وبعدما يتردد صوته فى الأركان على مسامع من حوله يتعجلون أن يتسلل النور إلى عينيه الناظرتين إلى ما يدور حوله، وإلى أن يستقر بصره ونهاره وليله يتعجلون فى تعثره بخطواته واتكائه على قدميه واعتماده

على جسمه الضئيل في وثبه، ضحكاته، تفاصيله الصغيرة، مأكله، ملبسه، نجاحه، تحقيقه لما حققه غيره سلفًا، وصوله إلى مراحل التطور التي يصل إليها أغلب البشر،

سواء حقق بها ما يرجوه، أو حققه لمجرد سيره مع تيار الحياة بمفرده.

لكن قليلاً من يشب مدركًا أن ما يتعلمه لا يتعلمه إلا بخوض التجربة، وأن لا أحدًا سيقوم بدلاً منه بما هو مطلوب منه، ولكي يمر من خطوة لأخرى عليه أن يصعد الدرج بنفسه، لا أحد سيصعده بدلاً عنه، لا أحد سيصعد ويلوِّح له من أعلى، أن قد اجتزت طريقك فكن في راحة ولا تنشغل، كن في مأمن وانعزل، وأن لا بد عليك أن تنزل إلى أرض الواقع كي تقع، لتعرف ثقافة النهوض من جديد، كي يشتد ظهرك ولا ينحني.

ولكن حين تتعثر لا تندم، الندم طويلاً يؤخر، ولا يجعلك تفهم الإشارة لعبور كل ما تمر به، فتمهل يا صديقي لا تتعجل، لكن لا تتوقف عن السير، وكن موازنًا بين معادلة التمهل، والتوقف، والتفكر، والاستمرارية، والتعثر، والوقوف على قدميك مرة أخرى.

تمهل لا تسرع في خطواتك الصغيرة كي تحقق تقدمًا كبيرًا، تمهل فمن يتمهل.. يفكر..

يتحسس طريقه فى تأنٍّ، لا ينبهر بمؤثرات خادعة.. لا ينبهر.

تمهل فمن يتمهل يتعلم ويمعن النظر، ولكن فَرِّقْ بين التمهل والتباطؤ، فما بينهما -لو تعلم- خيط رفيع، كالذي بين الغرور والثقة. خيط تكاد لا تلمسه ولكن تشعر به، فإما  يمنحك فرصة وإما يجعلها تتسرب من بين يديك كحبات الرمل الصغيرة.

فكما يقولون في التأني السلامة، سلامة لنفسك من الخيبات المتتالية والطرق الضبابية، سلامة لنظرتك محدودة الرؤى، فمهما بلغت من ثِقَبْ الرؤية وبُعد النظر فإنك غير معصوم

من التعثر.. تمهل.

 

في التأني السلامة

 

المقالة السابقةما هو الشغف؟ كيف يمكن أن تجد شغفك في الحب والعمل
المقالة القادمةعندما ذاقت فاطمة شدّة الألم
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا