“بهار” الإيرانية التي تمنت أن تصبح ذكرًا

399

 

بقلم/ دينا يسري

 

أحب السينما الإيرانية، أهيم بها عشقًا، وكلما استطعت الاختلاء بنفسي لبعض الوقت أبحث عن تلك الأفلام لأروي بها شغفي. تلك التي تثير الجدل لمجرد ذكر موطنها الأصلي.

 

فهم يناقشون قضاياهم التي يتناولونها على مذهب السهل الممتنع بكل حرفية، لتجد نفسك أمام عمل رائع متكامل من حيث التصوير والسيناريو والإخراج والموسيقى التصويرية الخلابة، لتحبس أنفاسك مع أول مشهد وتلفظها متأثرًا في النهاية.

 

والفيلم الذي سأتناوله اليوم هو فيلم “نفس”، مأخوذ عن أحداث حقيقية، وهو يعد أول فيلم من إخراج وكتابة امرأة، “نرجس آبيار”، كما أنه ترشح لجائزة الأوسكار كأفضل فيلم أجنبي عن عام 2017.

 

وتدور أحداث الفيلم حول فتاة اسمها “بهار” تعيش مع أخواتها الثلاثة، وجدتها لأبيها قاسية الطبع، وأبيها المريض بالربو.

يصف الفيلم معاناة المرأة في إيران بعد الثورة الإسلامية عام 1979 وبداية الثمانينيات عقب غزو صدام لإيران، ويوضح حالة الذعر التي عاشتها الأسر الإيرانية تحت مظلة الحرب، مما جعل المخرجة تتساءل في أحد حواراتها ماذا لو كان صدام شاهدًا على كل هذا الفزع؟ هل كان سيغير وجهته؟

 

فلا تدع الحرب مجالاً للصغار سوى الهروب بمخيلاتهم لعيش حياة سلمية، كما فعلت “بهار” بتخيل نتوءات جدران الحمام بأنهم أصدقاؤها، تعيش معهم وتعالجهم تارة وأحيانًا بإرسال رسوماتها لبرنامج الأطفال الذي يذاع على التلفاز، الذي أدخله الأجانب حديثًا للبلد، لكنه لم يحالفها الحظ مرة برؤية رسومتها في البرنامج.

 

على الرغم من أنها فتاة مشاكسة طوال الوقت لا تهدأ ولا تستكين لحظة، فكان ذهنها مشغولاً على الدوام، لتطرح عليك أسئلة من نوعية نمطية معاناة المرأة في كل مكان وزمان.

 

فـ”بهار” تمنعها جدتها من اللعب مع ابن خالها لأن جسدها فار قليلاً، وتنهرها حين تأخذ كتب خالها خلسة لتقرأ قصصًا تفوق عمرها عمرًا، وتحذر أباها من أن كثرة القراءة ستصيبها بالجنون، لترضخ “بهار” لهم في نهاية الأمر وترمي أحد الكتب في النهر. وتبرحها جدتها ضربًا لهروبها من الدروس الدينية.

 

كل هذه التفاصيل تجعلك تدرك أن ما تعانيه المرأة في صغرها، يحدث في كل مكان وزمان، فقط مع اختلاف الأمكنة والوجوه. ورغم قسوة الجدة فإنها يظهر حنانها عند مرض الفتاة وإصابتها بطفح جلدي لا يعرف الأطباء سببه، فتنقل الجدة تخوفاتها لأبيها أن يترك هذا الطفح آثارًا تمنعها من الزواج عندما تصبح عروسًا، مستشهدة بـ”ألا يكفي شعرها الخشن!”.

 

لتنتهز الفتاة فرصة لتعبر عن مشاعرها عند سؤال أبيها ماذا تريد أن تصبح، فتخبره أن تكون ذكرًا، لأن الذكور لا يصبحون عُزّابًا وشعورهم ناعمة كشعر ابن خالها.

 

تلك الفتاة التي يحالفها الحظ دائمًا لتنجو من كل كوارثها، لم تنجُ في النهاية عندما حذرتها جدتها بأن الأرجوحة ليست بالقوة التي تتحملها، وأن هذا تحذيرها الأخير قبل ذهابها لعزاء أحد الجيران، لكن على ما يبدو أن “بهار” لم تنصت جيدًا، لتعلو بالأرجوحة حتى تطال السحاب وتذهب مع الريح.

 

هذا الفيلم مليء بالمشاعر الفياضة التي تُحدِث بداخلك جدلاً، ويحفر لنفسه مكانًا في ذاكرتك، ويبث بداخلك رسائل قوية بإيمانك بذاتك. فصحيح أن “بهار” رحلت دون تحقيق حلمها بعلاج أبيها من مرض الربو، إلا أن رسوماتها وأخيرًا أعلنت في التلفاز كما تمنت على الدوام، ليكون الشاهد عليها أباها، فتمده وتمدنا بالصبر.

 

معاناة المرأة في كل مكان وزمان

 

المقالة السابقةاكلات عزومات رمضان، وافضل منيو عزومات رمضان بالوصفات
المقالة القادمةإعلانات رمضان: قصص من الواقع
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا