بقلم/ محمد خالد محمد العبد
أعادت إليَّ الحملات التوعوية المختلفة ضد التنمر العديد من الذكريات مع هذا الفعل البغيض الذي تعرضت له، لمدة ليست بالقصيرة في حياتي، وجعلتني تلك الحملات أفكر في أنه ينبغي على أحد ما أن يتحدث عن التنمر، خصوصًا ذلك النوع من التنمر الذي يصدر بحسن نية ويراه البعض هامًا وضروريًا في عملية التربية والتعليم.
كانت درجاتي الدراسية دومًا أقل بكثير من درجات أختي التي تصغرني بعام واحد، فكانت أمي -على سبيل التشجيع والتحدي– تخبرني أني فاشل وأختي أفضل مني بكثير، وعندما نكبر سوف أعمل لديها أنظف منزلها وأمسح لها سيارتها هي وباقي أقراني من المتفوقين دراسيًا. دأبت أمي على هذا التنمر لسنوات طويلة لأنها كانت تعتقد أن كلامها هذا سيغرس في نفسي روح التحدي وأني سأزيد من مجهودي الدراسي لأتفوق على أختي.
بالطبع أمي كانت مخطئة للغاية، فلم يكن كلامها يغرس في نفسي سوى الغيرة والحقد على تفوق أختي، الذي كان يظهر في شكل عنف جسدي ولفظي صادر نحو شقيقتي المسكينة. أما النتيجة الثانية لمثل هذا التنمر اعتقادي وإيماني أن أمي لا تُكِن لي أي محبة وتُفضِّل أختي عليَّ، الأمر الذي سبَّب اضطراب علاقتي بوالدتي ووجود فتور في مشاعر المحبة والاطمئنان بين فتى يافع ووطنه الذي لا يعرف غيره.
***
لديَّ أقارب أصغر مني في العمر بسنوات قليلة للغاية من أصحاب البشرة الداكنة، كنت كطفل صغير يقلد ما يفعله أقول لهم إنهم لا يشبهوننا وإنهم من إفريقيا، ودومًا ما حضر ذلك الشخص السخيف الاجتماعات العائلية وقال لهم ” أنتم شبه الصوماليين”، وبعدها تصدر ضحكة سخيفة من الجميع من بينهم الطفل الذي صدر نحوه التنمر.
كنت أعتقد أن ما نقوم به هزار وعادي جدًا، لكنني عرفت بعدما زاد إدراكي أنهم يضحكون ليظهروا بمظهر اللا مبالاة، وأن روحهم مرحة وأنهم يتقبلون كل شيء، لكنهم في الحقيقة كانوا يضحكون تفاديًا للإحراج وحبسًا لدموع بعضهم التي قد تنهمر بغزارة.
كثيرًا ما قال لي أحدهم لا تكثر اللعب في الأجواء المشمسة لأنك قد تصبح من أصحاب البشرة الداكنة، وحينها لن تستطيع الزواج حين تكبر وستنفر من الفتيات.
***
كانت شقيقتي ضحية لنوع آخر من التنمر، وهو التنمر ضد المتفوقين في المدارس والجامعات. دومًا ما يحاول الكثيرون (منهم بعض صناع المحتوى الإعلامي في التليفزيون والسينما) أن يظهروا كل المتفوقين في شكل غريبي الأطوار، يرتدون نظارات قديمة للغاية وملابسهم كذلك، نكاتهم سخيفة لا يفعلون شيئًا في حياتهم سوى المذاكرة.
فتقوم شريحة ليست بالقليلة منهم باتباع إجراء دفاعي، وهو أن يظهروا أنفسهم بمظهر غير التفوق وإنكار أنهم يذاكرون وأنهم لن ينجحوا في تحقيق النجاح والانتقال إلى مرحلة دراسية أعلى.
كل أشكال التنمر هذه كانت صادرة من أشخاص بالغين نتيجة الجهل المتوارث بمعنى التنمر وآثاره النفسية السلبية للغاية على ضحاياه. تساهم هذه الحملات في التوعية بكل تلك الآثار ومعنى التنمر، وينبغي أن تكون موجهة للأهالي ليتوقفوا عن التنمر ضد أطفالهم، لأن الطريقة التي تربوا بها ليست صحيحة، وأنهم ليسوا بخير نتيجة لتلك التربية التي تخرج إنسانًا مليئًا بالكثير من المشكلات النفسية.
التنمر لا يمكن اعتباره نوعًا من الهزار أو مصدرًا لبث البهجة، لكي يكون من مصادر المتعة للجميع، لا ينبغي أن يتم على حساب جرح كرامة أحدهم أو إيذاء مشاعره.
حتى الآن أحمل الكثير من المشاعر المتناقضة تجاه أمي، نتيجة طريقة تربيتها لي التي اعتمدت على التنمر. أرجوكم لا تجعلوا أطفالكم يمرون بتلك التجربة لأنها قاسية للغاية، اصبروا عليهم، علموهم بالحوار والمناقشة وليس بالترهيب والتخويف والسخرية.
أرجوكم لا تجعلوا أطفالكم يمرون بتلك التجربة لأنها قاسية للغاية