النصف الغائب

655

 

بقلم: شروق عبد النعيم

في الأجيال القديمة كجيل جدتي، كانت الفتاة التي تبلغ سن العشرين ولم تتزوج بعد، تُعتبر كما يُقال في المثل المصري العقيم “فاتها القطر”، ولعل سبب ذلك أن الحياة لم تكن منفتحة كل هذا الانفتاح الذي نعيشه الآن.

 

فكان من الصعب على الفتيات تحقيق طموحاتهن أو رغباتهن دون زواج.. فإن رغبت الفتاة في السفر، قيل لها بمنتهى التلقائية “لما تتجوزي ابقي سافري مع جوزك”.. وإذا رغبت في العمل قيل لها “شغل إيه اللي بتفكري فيه؟”، حتى في أقل حقوقها في الخروج وما شابه ذلك قيل لها أيضا “ابقي اخرجي مع جوزك”، فأصبح هذا الـ”جوز” ضرورة ملحة ليفك أسر تلك المسكينة، التي تعتقد -وهمًا- أن ذلك الفارس سيحقق لها كل طموحاتها ورغباتها في الحياة، وفي حالات أخرى كان زاوج الفتيات مبكرًا نوعًا من تخليص الأسرة من بعض أعبائها، خصوصًا الأسر الفقيرة، وربما كان زواج الفتيات في هذه الحالة إجبارًا وليس بموافقتها التامة.

 

أما الحالة الأهم -والتي أظن أنها هي التي عادت تنتشر في زمننا هذا، هي حالة تندمج فيها رغبة الأسرة ورغبة الفتاة معًا، بمعنى أن الأسرة تحفر مفهومًا معينًا في رأس تلك الفتاة منذ صغرها، وهو أنها خلقت من أجل هدفٍ سامٍ، هدف هو الأهم في حياتها، بل هو الوحيد في حياتها.. ألا وهو أن تجد “نصها التاني” على أساس أننا خلقنا أنصافًا، ولا نستطيع مواصلة حياتنا إلا إذا عثرنا على هذا النصف الغائب! فأصبح تفكير الكثيرات ينصبّ حول هذا الموضوع فقط، فتجدها بلا هوايات، بلا أهداف، بلا طموحات، وبلا حياة.. لأنها مقتنعة جدًا بأن حياتها لا قيمة لها إلا بالارتباط، والعثور على هذا النصف الغائب، رغبة منها وتشجيعًا من أسرتها على ذلك.

 

بينما نحن في نهاية 2015، فلا يستطيع أحد نكران أن الفتيات أصبحن يصلن إلى الكثير من أحلامهن وطموحاتهن في حياة ناجحة و”كاريير” مناسب.. أصبحن يتمتعن بالسفر والخروج وإبداء الآراء والتحرر من الكثير من القيود التي كانت تعيق النساء فيما سبق، لذلك من المفترض أن تتبدل أفكارنا ورغباتنا تلقائيًا، فبدلاً من تكريس الحياة للبحث عن النصف الغائب، يمكن للكثيرات الاستمتاع بالنجاح في حياتهن في مجالات شتى، قبل خوض تجربة الارتباط أو الزواج في سن مبكرة.

 

أنا شخصيًا لست ضد فكرة الارتباط إطلاقًا، بل أعتبر أن الارتباط الناجح والحب يُضفيان على الإنسان جمالاً لا يضاهيه جمال آخر.. يجعله يرى الحياة كلها ذات قيمة وبشكل مختلف، يخلق له مبررًا إضافيًا للحياة ويهديه سعادة لا يُستهان بها.. كل هذه أشياء عظيمة، أشياء تستحق تجربتها.. لكنها لا تستحق تكريس الحياة فقط لأجلها، لا تستحق التخلّي عن كثير من الطموحات والهوايات والرغبات من أجلها.. لا تستحق إهمال الشخص لتكوين عقله ومعارفه وخبراته في مقابل غذاء قلبه.. لأنه فقط يظن أن حاجة القلب إلى الحب أهم من حاجته هو -كعقل ونفس وروح- إلى كثير من الخبرات والمعارف قبل خوض تجربة الارتباط.

 

إن الارتباط يفرض على الشخص قيودًا لا مفر منها.. مسؤوليات وأعباء واستهلاك كبير للوقت والجهد، فلا يمكن أن نلوم هؤلاء الذين حبّذوا الارتباط مبكرًا على أنهم لم يتمكنوا من تحقيق الكثير من الطموحات.. لأنهم فعلاً مشغولون، لذلك أعتقد أن المقبلين على خطوة كهذه هم هؤلاء الذين يفتقرون إلى الكثير من الطموحات ورسم الأهداف.. هؤلاء المحبون للدراسة والعلم وتحقيق الذات، الذين يعتقدون أن الارتباط هو الشيء الوحيد الذي يستحق الوصول إليه في الحياة، هؤلاء الذين يتسابقون لإيجاد “النصف الغائب”.

 

 

 

 

المقالة السابقة15 فيلمًا قد تغير أفكارك عن السينما.. كلٌ على طريقته
المقالة القادمة15 هاش تاج.. 15 حالة
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا