بقلم/ هبة بسيوني
لا يهم ما تحمله داخلك، أنت تتحرك وسط مجتمع من الزومبي، تسير حاملاً قلبك الشفيف على كفيك ولا تجد له سكنًا وسط مجموعة من الناس يحملون شكلاً بشريًا وقلوبًا معدنية.. الجميع حولك خارج من تجارب سابقة أدمته ومنحته ندوبًا لا تُداوَى مهما حاولت أن تسكب عليها من قلبك الرحيم.. الحب بصورته الضخمة اسمه تطرف.. الاهتمام العميق أصبح طبقًا على النفس.. المراعاة غدت اقتحامًا للخصوصية، والرحمة تُدعى سذاجة وغشامة.
صرت كالحمل الضائع تبحث عن ركن قصي تختبئ فيه، بينما يصر الجميع على إمساكك من رقبتك والضغط عليها علَّها تنكسر وتصبح مثلهم، وتسير معهم في ركب الخيارات السهلة غير المتعبة.
تعرضت لتجربة سيئة، اثنتين؟ عشرة؟ بدلاً من أن تتكور على نفسك وتحزن ثم تتعافى وتخرج للضوء فاردًا أجنحتك، تأخذ الخيار الأسهل، فتضع قواعد عمياء صماء تحمي جلدك، تكون حراشف مسمومة تظنها للحماية.. لن أفعل ذلك مرة أخرى لن أضحي من أجل شخص آخر غيري، لن أتنازل، لن أحب بكل قلبي، لن أفتح هذا الباب مرة أخرى، تستمر في غلق أبواب قلبك وسد منافذ روحك حتى تموت أجزاء داخلك، وتضع لذلك قناعًا ملائمًا لا يعريك أمام نفسك.
تطلق على ذلك التحول المريع “واقعية ونضج”، “حكمة وخبرة”، بينما لا تعترف حتى بينك وبين نفسك أنك شخص ضعيف استسلم ولجأ للخيار الأسهل بدلاً من أن يقاوم.. بدلاً من أن يدرك أن الطريق الذي سلكه وأودى به لم يكن خطأ لا يغتفر. ربما الطريق نفسه اختلف.. ربما زادت أعمدة الإنارة، ربما تم تمهيده أو ربما هو من انتعل الحذاء الخاطئ.
أشفق على من يحملون قلوبًا عليها أقفالها، يواربون جزءًا منه ليدخل فقط خيط من ضوء كابٍ ويتوهمون أنهم بأحسن حال، لا يعرفون معنى أن تفتح روحك على وسعها، أن تحب بلا خوف.. أن تستمتع وأن تجن وأن تقفز وأن تخاطر.. أن تعيش الحياة القصيرة الآفلة بكل ما بها.
تقع فتنهض وتنفض ملابسك وتكمل الطريق عدوًا.. لكن الاختيار الجمعي كبديل مريح هو جمع عظامك المتكسرة ورصها فوق بعضها، في شكل يبدو متوازنًا، والمضي في حياتك حبوًا متلفتًا متشككًا متوجسًا.. السير بجانب الحائط إلى ما لا نهاية. لا ألم لكن لا فرحة من القلب أيضًا.
ووسط كل هذا الزخم تقف أنت وحيدًا بالكامل، الكل يجرك من ساقيك لتسقط معه، الكل يساهم في تكسير ركبتيك لترضخ، لتفقد براءتك، لتيأس. الكل يشارك في إفهامك أن بحثك أخرق وساذج وبلا جدوى.. لا بد أن ترضى وتعيش مثلهم كترس ميت. لإفهامك بالطريقة الصعبة أنك لست أحسن منهم، أنت طفل لم يتعلم ولم يتفتح ولم يكبر خياله.
يتعاون الجميع في وأد أحلامك البنفسجية وإفاقتك، لتصبح نسخة أخرى منهم، ختم آخر لكائن بشري يُطبع على ورقة بلا ملامح.. إما أن تندمج أو تظل منبوذًا مكروهًا باحثًا عن صورة مثالية لأرواح تتمازج وتوحد، وقلوب مفتوحة ونفوس شغوفة وإنسانية لم تُشوه.. تقبل التحول أو تُترك وحدك.
لا تعترف أنك ضعيف وتطلق على استسلامك “واقعية ونضج”