المشهد المتكرر

478

بقلم/ ندى عصفور

أتذكر جيدًا في بداية زواجي، لم أستطع أن أتناول أي شيء أطهوه داخل منزلي الجديد بالرغم من تأكيدات زوجي لي مرارًا وتكرارًا أني أطهو جيدًا ولكني كلما صدقت كلامه لي وأخذت قطعة منه أشعر بمدى سوئه وأتهم نفسي بالفشل، وعندما أذهب عند والدتي ألتهم طعامها بكل نهم وحب، وكذلك كلما أردت أن أشرب كوب الشاي باللبن الذي أدمنته منذ الصغر من يديّ والدتي كل صباح، أجد أن له مذاقًا مختلفًا غير الذي تصنعه، حتى اعتقدت أن العيب من الكوب الذي أشرب منه، فغيّرته واشتريت أكوابًا أخرى كثيرة، حتى يئست وطلبت من والدتي كوبًا من عندها حتى أشرب فيه كوب الشاي باللبن الدافئ كل صباح، فأخيرًا وجدت فيه نفس المذاق وكنت أستمتع بتناوله كل صباح، وعندما كُسِر شعرت بحزن عميق يملأ طيات قلبي، وكأن جزءًا مني قد كسر.

 

واليوم بعد أن أصبحت أمًا لطفلتين جميلتين وجدت أن نفس هذا المشهد يتكرر أمام عيني، عندما تناولنا طعامًا في أحد المطاعم وتسألني ابنتي عن البيتزا التي أصنعها بطعم إيه، وتقول إن ما تصنعه ماما هو الأفضل، وكذلك البطاطس المحمرة عندما طلبتها ذات مرة من الخارج فرفضت أن تتناولها، وقالت لا أريدها، أريد بطاطس ماما، ولا أنسى يوم مرضتُ بشدة وعندما استيقظت ووجدتني طريحة الفراش وأخبرها زوجي الحبيب بمرضي وعدم قدرتي على إتيان الكورن الفليكس المفضل لديها وكوب اللبن للإفطار، قالت بكل براءة “ماما مبتتعبش، إحنا بس اللي بنتعب” يومها فقد قد عرفت لماذا كنت لا أحب أكلي في بداية زواجي حتى يومنا هذا، وأستمتع بالطعام فقط من يدي والدتي، ولماذا لا يحب زوجي الشيش طاووق من يدي وكلما قمت بإعداده يقول لي لا تنسي أن تسألي والدتي عن طريقته، برغم سؤالي لها عنه مرارًا وتكرارًل لكنه لا يجد مذاقه حلوًا.

 

لأن الأكل الذي أطهوه والشاي باللبن ليس من يديّ ماما، لأن يد ماما فيها سحر خاص تضعه على كل طعام بتقوم بإعداده، وعلى كل كوب شاي باللبن تعدّه لي بكل حب وحنان، وصينية الشيش طاووق التي تعدها والدة زوجي له.

 

ولا أستطيع أن أنسى يوم مرضتُ وارتفعت حرارتي لمدة يومين متتالين دون أن تنخفض، وكان عمري في ذلك الوقت 11 عامًا وقد سهرت والدتي بجانبي طوال الليل، ولم أنس بسمتها عندما بدأتُ أتعافى وهي تناولني الشوربة الساخنة بيديها الحنونتين، فكلما مرضتُ أشعر بمذاق هذه الشوربة الشهي في فمي، فبالفعل كما قالت ابنتي “ماما عمرها ما بتتعب” في نظر أبنائها، لأن حبها وعطاءها لهم لا يوقفه أي وجع تشعر به في جسمها أو تعب، فهي تشعر بسعادة بالغة عندما تشعر بالسعادة والرضا في عيون أبنائها، بدون أن تنتظر مقابل منهم، فيا رب لا تحرمنا من وجودهم في حياتنا إلى الأبد.

 

 

المقالة السابقةضحّي ولكن…
المقالة القادمةفي وداع القديس الشهيد.. آلان ريكمان
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا