اللقاء الثاني

1933

 

بقلم/ أميرة البقري

 

الزمان: صيف ١٩٨٨

كانت أول مرة أشاهد مسلسلاً وأنجذب لحلقاته بهذا الشكل، وهو مسلسل “اللقاء الثاني”. كان عمري وقتها ٨ سنوات، لكنني كنت غارقة في تفكير مستمر عما أريد أن أفعل في حياتي، وكيف أصل لمرحلة من السلام الداخلي.

 

كنت طفلة هادئة قليلة الكلام، لكن التفكير داخلي كان لا ينقطع. طالما تصورت أنني أستطيع اتخاذ قرارات لا تتوافق مع النظرة التقليدية للمرأة في المجتمع، وحلمت أن أخرج خارج الإطار التقليدي للشكل الاجتماعي للمرأة.

 

كان التخيل الطبيعي الذي اعتقدته يمثل رؤية المجتمع، أن تتزوج الفتاة في العشرينيات، ثم تنجب بعد ٩ أشهر بالضبط، وتعيش حياة هادئة تقليدية. لكن ذلك كان عكس ما أردت أن أفعله تمامًا منذ صغري. فقد كنت أطمح أن أكون معتمدة على نفسي، أسافر لأماكن عديدة ولا أرتبط بشخص أو مظاهر مجتمعية معينة لإرضاء الشكل التقليدي للأسرة.

 

طالما فكرت أنني إذا ارتبطت بشخص يفهمني فإنني أريد أن أستمتع بالحياة معه وأفهمه بعمق، وأن تكون فكرة الإنجاب والمسؤولية لتربية أطفال مؤجلة ليكون لنا فرصة للاستمتاع بالحياة قبل أن نهلك في تربية أشخاص آخرين.

 

جاءت حلقة من حلقات اللقاء الثاني عن البطلة التي قررت تأجيل فكرة الزواج، ثم مقابلتها حبيبها السابق بعد سنوات طويلة صدفة، من أقسى الحلقات على نفسي. فقد قابلَت البطلة حبيبها أثناء خطوبة ابنة أختها الشابة لابن حبيبها السابق، الذي قرر أن يتخذ مسارًا مختلفًا عن حبيبته.

 

كنت طفلة عندما شاهدت الحلقة، ولكنها كانت بمثابة تهديد صارخ لما ظننته أحلامي المشروعة في اختيار مسار مغاير عن الشكل الروتيني للأسرة بالمجتمع. حاولت جاهدة أن أفهم نظرة بوسي في نهاية الحلقة، فهي لم تكن سعيدة لرؤية حبيبها، وقد أصبحت له حياة وأبناء. قد تكون شعرت بالمرارة أو الحنين أو الألم، لكن الشعور الأكيد الذي لم يخطئه تفكيري الصغير وقتها أنها شعرت بالندم والأسى.

 

بعد انتهاء الحلقة، فكرت فيها لأيام وأيام وأنا غاضبة. كنت أريد أن أقول لها لا تندمي على اختياراتك في الحياة، ولا تشعري بالحزن؛ أنتِ إنسانة قوية. إياكِ أن تتصوري أن قوتك وحياتك تأتي من الآخرين، فكل منا له اختيارات وسوف يقرر حياته بالطريقة التي يريدها ويشعر أنها صائبة بالنسبة إليه.

 

أتصور أن الذي أخافني حقًا أن أكون في مثل موقفها، وأن أكبر وأشعر بالندم وأريد الرجوع بالأيام لاتخاذ قرارات أخرى. لكن الذي صبَّرني وقتها رغم الضيق الشديد الذي سببته لي هذه الحلقة، هو أنني قلت لنفسي ما زلتِ صغيرة علي هذا التفكير، فنحن ما زلنا في سنة ١٩٨٨، وقد يتغير رأيي حين أكبر وأقابل أشخاصًا يؤثرون في وأؤثر فيهم.. لكن ذلك لم يحدث.

 

لم يتغير رأيي، ومع ذلك لم أشعر بالندم. أريد أن أقول لبطلة المسلسل الآن إن الحياة ممتعة حين نقرر ما نحس ونريد، بغض النظر عن رضا الآخرين أو نظرة المجتمع. أريد أن أقول لها أيضًا ألا تخاف من التقدم بالعمر، فكل مرحلة عمرية لها جمالها وقوتها ومميزاتها التي ندركها في وقتها.

 

أخيرًا عرفت مع مرور السنوات أن كل اختيار له مميزات، ولكن له ثمن ندفعه أيضًا.

 

خفت أن أكون مكان بطلة المسلسل

 

المقالة السابقةحتى المشاهير يُعانون من الاكتئاب
المقالة القادمةرحله الاکتئاب والتقبل
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا