بقلم/ العصماء محمد هاني
“كل يوم قلقاس؟!”.. لم يكن صلاح ذو الفقار صريحًا وواضحًا حول ما يدور في خلده تجاه زوجته، فليس من السهل عليه أن يخبرها أن نجاحها وتقدمها المستمر وتسلطها عليه في العمل، وشعوره بأنه تابع لحضرة المديرة بالشيء الهين على رجل شرقي الصميم، فانتهى الأمر به بأن رمى حموله على القلقاس المسكين.. هكذا بمنتهى البساطة يتحمل القلقاس العواقب في محاولة يائسة بأن تشعر شادية بخطورة الوضع الذي تعيشه هي وزوجها في الفيلم الأيقوني “مراتي مدير عام”.
أظن أن من عظائم النعم التي رزقنا الله بها نحن معشر النساء عُلو الصوت. أجل نحن ذوات الصوت العالي ذوات الصخب المضني الذي يعم الأرجاء لأن هرموناتنا بائسة، نمر بمرحلة الـ”blue mood”، مرحلة المراهقة، مرحلة الزواج، مرحلة الخطوبة، مرحلة التأقلم على الحياة الزوجية، التأقلم على المدير الجديد، المطبخ الجديد، الغرفة الجديدة، نحن دائمًا في مرحلة تأقلم نحتاج إلى الوقت والمهلة والتقدير والتفاهم المستمر من قِبل شريك الحياة، نملأ الدنيا بدموعنا وصراخنا وكلماتنا وانفعالاتنا، فنحن في حاجة إلى التفهم والاحتواء والتقدير، المرأة دائمة الاحتياج إلى الاحتواء، لربما إذا ما صنعتَ من نفسك برطمانًا لتحتويها هي وهرموناتها لكان أفضل لنا جميعًا.
لا تكف المرأة عن الصراخ أنها في حاجة إلى التقدير، وأنها طوال الوقت قارورة.. ولكنها في نفس الوقت كائن مستقل يستطيع خوض المعارك وحده دون مساعدة. إنها تحتاج إلى توصيلة إلى مقر العمل، ولكنها في نفس الوقت لن تخضع لسلطتك الذكورية القمعية. تحتاج إلى من يخاف عليها من “عين البوتاجاز”، ولكنها في نفس الوقت تستطيع صنع قنبلة مدوية تقودك إلى الهلاك المؤكد. هي أسيرة الهرمونات، ولكن عليك أن تقدر عقلها ومشاعرها وتأخذها على محمل الجد. هي كائن متناقض في كل الأوقات وعليك أن تتفهم هذا التناقض وتصل معها إلى حل يرضيها.. هي فقط.. سواء أنال ذلك إعجابك أم لم ينل.
ولكن من للرجل؟!
الرجل الذي يمر أيضًا بحالات الاكتئاب، ولكنه لا يملك صوتا للصراخ والتخبيط والترفيص، الرجل الذي يجد نفسه إذ فجأة مسؤولاً عن أسرة تزايد عدد أفرادها بشكل ما، الرجل الذي يجد عروسه الجميلة الصبية تتحول بشكل مفاجئ وغير موضوع في الحسبان إلى “وليّة”، هو لا يستطيع ترك وظيفته لخوض مغامرة جديدة في مشروع جديد لأن هناك أفرادًا في رقبته، ولا يستطيع النوم يومًا إضافيًا، ولا يستطيع التملص من مشواير الواجبات، لا يستطيع استقطاع مال لمتعته الشخصية، ولا يستطيع غلق الباب عليه والبكاء.
يقال إن هناك رجلاً من بين أربعة رجال يصاب باكتئاب ما بعد الولادة!
أجل هذا صحيح. يكتئب الرجل من الكائن الجديد الذي حضر إلى العالم. يكتئب من تفكيره المستمر بتوفير احتياجاته وحفاضاته وحليبه وملابسه، وأن يكون مستعدًا لأي طارئ يستدعي ذهابه إلى الطبيب، مستعدًا نفسيًا وماديًا.. ألا يجد نفسه إذ فجأة مقصرًا في أمر ما وهو العامود الذي يعتمد عليه الجميع في تلبية احتياجاتهم، الرجل الذي وجد نفسه فجأة أبًا، وأصبحت زوجته التي كان يمكلها وحده يتشارك فيها كائن آخر يعتمد عليها مئة في المئة في تلبية احتياجاته، فيخرج من المعادلة خلال رمشة عين.
يصف ديفيد مارتن – الكاتب الساخر في “ذا نيويورك تايمز”- الوضع الذي آل إليه مع ابنته وزوجته، خصوصًا أنهما أنجباها في سن متأخرة، فكانت تمر بالمراهقة وهما في سن اليأس، فيقول: “في البداية، اكتشفتُ أن عليّ أن أنتظر هدوء العاصفة حينما تمر سارة بمرحلة المراهقة وتمر شيريل بمرحلة سن اليأس، ولكني اكتشفتُ أني أعاني أيضًا ببعض الصعوبات الهرمونية التي جعلتني أُسهم في المعركة كشريك لا يقل أهمية عن الآخرين.
أمُرُّ كذكر في الستينيات من عمره ببهجة ما يطلقون عليها قصور الغدد التناسلية المتأخر، والذي يعرف بشكل شائع باسم سن اليأس عند الرجال، لذا، والآن، عندما أقع ضحية عراك سببته اختلالات هرمون الإستروجين بين زوجتي وابنتي، بدلاً من محاولة الجدال أو الهروب، أبدأ في البكاء، ثم نبدأ جميعًا في البكاء، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى عناق جماعي ونهاية النزاع الجاري حتى الغد على الأقل”.
الرجل أيضًا يحتاج إلى الاحتواء، يحتاج إلى الحب والتفهم والتقدير، يحتاج إلى أن يشعر دائمًا بأنه سوبر مان، يحتاج إلى حضن امرأة يرتمي فيه كالجندي القادم من براثن الحرب، يحتاج إلى من يخبره أن كل شيء سيكون بخير. هو أيضًا يمر بلحظات ضعف ولكنه بلا صوت، وقد لا يعترف بالأساس أنه بحاجة إلى شيء، الرجل هو غطاء القارورة الذي يجب أن يُعامل بلطف أيضًا، لأن الغطاء إذا ما أصيب بأي شيء لن تستطيع القارورة أن تؤدي وظيفتها كما يجب.
قيل في عيد الأم “لا تنسَ الذي تستند عليه أمك”.. لا تنسوه حتى وإن كان بلا صوت.
هو أيضًا يمر بلحظات ضعف