طعم البيوت

1363

بقلم: روكسان رأفت

 

عيش حب الناس وعيش

تلقى الناس بيوت

فاتحة قلوبها فوت

حب متتنسيش..

غنوة قديمة، لكن عُمري ما بطّلت أحسّ كلماتها. وطول الوقت بتوقفني جملة “تلقى الناس بيوت”! ازاي الشاعر كتب جملة في منتهى العبقرية كده! .. طول الوقت بشوف أن المثل اللي بيقول: “الجنة من غير ناس ما تنداس” مثل حقيقي قوي. سيبك من جو محدش بقى محتاج حد، والدنيا اتقلّ خيرها والكلام ده. لسه وجود ناس بنحبهم وبيحبونا بيدِّي طعم لأي مكان كنا فيه؛ مهما كان شكله ومساحته.

من كام سنة فاتت -مش كثير يعني- عزّلت من شقتي لشقة ثانية، هي اللي أنا بكتب منها المقال دلوقتي. ومن ساعة ما عشت فيها وأنا بذوق طعم جديد لمعنى البيت! .. يمكن علشان اخترت حاجات كثيرة فيها بعد ما كنت في الأولى معنديش وعي كفاية يخليني أختار!

ويمكن علشان علاقتي بنفسي اختلفت للأحسن فبقيت قادرة أذوق وأستطعم! ويمكن علشان البيت مش دايمًا بيكون حيطان، لكن كثير بيكون مشاعر؟ .. أعتقد بالضبط هو ده السبب؛ البيت مش بس حيطان وعفش، البيت مشاعر. أفتكر كده كام مرة حسيت بمشاعر حلوة في مكان معين؟ .. هتلاقي نفسك تلقائيًا بتوسّع مساحة للمكان ده جوَّا قلبك، هتعتبره كأنه بيتك حتى لو هو مش كده بالمعنى الحرفي.

يا ترى إيه المشاعر المرتبطة بالبيت؟ أكيد هتقول لي: دفء، ونس، أمان، راحة، هدوء ومرات هيصة لذيذة، رعاية، ريحة أكلة حلوة شهية، وغيرها كثير على حسب خبرتك الشخصية.

كل دي لقطات وذكريات وصور بتستحضر لقلبنا طيف من شعور معين يلمس القلب. والنهارده أنا عايزة أحكي عن لقطات بطعم البيوت! .. عارف الشيبسي بالطماطم والجبنة المتبلة والخل والملح؟ هو بطعمهم، لكنْ مش محطوطين فيه مباشرة، وزي كده بالضبط فيه لأوقات، ولقطات، ومواقف، ووقفات طعم البيوت. فيها ونس، دفء، محبة، قبول، فرحة، أمان للفضفضة والراحة.

 

1- ناس بطعم البيوت

عمري ما أنسى مهما طال عمري، أشخاص ذُقت معاهم طعم البيت. وقتها كانت القعدة بطعم ونس البيت، الكلام اللي رايح جاي، الأكلة السخنة، البطاطس المحمَّرة مع رغي وقفة المطبخ. قُعاد الكَنَبَة متزنَّقين وملفوفين في بطانية واحدة وعينينا بتدّمع من كثر الضحك. عياط الوجع اللي فيه استيعاب وتفهم. بوح الفضفضة ولذة المشاركة بالأحلام. طعم البيت هنا مش ممكن يتنسي حتى لو مبقاش يجمعنا نفس المكان أو حتى يمكن نفس العلاقة!

طعم الونس، طعم العيلة، طعم المشاركة، طعم الوجود. 

 

2- أفكار بطعم البيوت

صراع الأفكار صراع صعب قوي، ميعرفش صعوبة مواجهته غير اللي جرب. الأفكار تقدر تودّيك وتجيبك وتلفّفك حوالين رُوحك، وفين وفين لمّا ترتاح وتمسك في أفكار بعينها. أنا كشخص مبيعرفش يضحك على نفسه. يمكن ناس بتسمّي ده تشاؤم! لكن أنا بسمّيه نظرة واقعية. فأخذت وقت طويل بقى علشان أتعلم أن فيه مرات هاختار أنا بإرادتي أمسك في فكرة معينة؛ لأنها مريحة ولأنها بتطلعني لقُدام، حتى لو مكنتش مصدقاها بمشاعري للآخر أو محتاجة عليها دلائل كثيرة.

هنا كانت الفكرة بطعم راحة البيت واستقراره.

 

3- كلام بطعم البيوت

الكلام مش عليه جمارك، جملة صح قوي. مفيش أسهل من الكلام. وتدريب وتحدي كبير أني أختار الصمت! جربت مرة تبقى متضايق، متحمس، أو حتى قلقان من حاجة ومستني تروح البيت علشان هتحكي مع حد بيفهمك فترتاح؟ غالبًا الشخص ده مش دايمًا هيديلك حلول. لكن الأكيد أنه هيديلك أمل. وساعتها البيت بالنسبة لك هو الشخص ده. فأنت مش عايز تروّح علشان الأربع حيطان؛ إنما عايز تروّح علشان الشخص ده هو البيت. وعليه من أحلى اللقطات اللي بطعم البيت؛ الكلام اللي كان بيني وبين حد فاهمني أو متعاطف معايا أو بينصحني بحب.

هنا الكلام كان بطعم البيت في دفاه وبَرَاحُه، ووجود الكبير فيه.

 

4- كتب بطعم البيوت

اللي بيحب القراءة هيفهم كويس قوي اللي بقوله ده. الكتاب هو الحاجة الوحيدة اللي عُمرها ما خذلتك. بينفع تسيبها وترجع لها في أي وقت. بتبني مع محتواها علاقة مش كل الناس بتعرف تستطعمها. ويا سلام لو بتقرأ رواية أو قصة وتصاحبت على بطلها! .. الكتب فيها من طعم “الأنتخة” والأخوة اللي في البيت. طعم التسلية اللي بتذوقها مع أهل بيتك وأنت زهقان. طعم الانبهار والاندهاش اللي بتذوقهم وأنت بتلعب مع قرايبك وتكتشف نفسك.

 

5- أماكن بطعم البيوت

في بيتي فيه كنبة بحبها، جنبها زرع وستارة ومخدة صغيرة منقوشة ونور لمبة هادي. في المكان ده تحديدًا أحب أقضي وقت بعد الغدا، مع كوب شاي بالنعناع وكتاب، أو كوب كركديه ساقع، و”شات” بيني وبين أصدقائي مليان هزار. مرات بروح للمكان ده علشان أهدى، ومرات علشان أحضر اجتماع رايق -حتى لو أون لاين-. ومرات بروح له علشان أهدي أفكاري وأكتب. المطبخ كمان بالنسبة لي مكان بحبه وبحسّ فيه بكثير من المشاعر. فيه أماكن بعتبرها بيوت جوَّا نفس البيت. قلبك بيذوق فيها طعم المشاعر زي ما لسانك بيذوق حتة كنافة مقرمشة أو مخلل لذيذ.

بحس أن كل حد فينا محتاج يكتشف إيه اللقطات اللي بالنسبة له بطعم البيوت؟ إيه الأماكن؟ مين الأشخاص؟ إيه الأفكار؟ اللي بالنسبة له بيكونوا حتة مريحة، مكان ونس، سبب دعم، تشجيع، أمان، استقرار زي البيوت بالظبط.

يا رب ياللي خلقتنا في أحسن شكل، ساعدنا نكوّن بيوت، حتة مريحة للتعبان؛ كوب مياه ساقعة في يوم حر للعطشان، فكرة مريحة لشخص حيران أو قلقان، وحتى لو مكناش بيت نكون ولو محطة راحة في حياة إنسان.

 

المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب

المقالة السابقةأن أكون أنا
المقالة القادمةالبيت بيتك

3 تعليقات

  1. Can I just say what a relief to find someone who actually knows what theyre talking about on the internet. You definitely know how to bring an issue to light and make it important. More people need to read this and understand this side of the story. I cant believe youre not more popular because you definitely have the gift.

  2. Today, I went to the beachfront with my kids. I found a sea shell and gave it to my 4 year old daughter and said “You can hear the ocean if you put this to your ear.” She put the shell to her ear and screamed. There was a hermit crab inside and it pinched her ear. She never wants to go back! LoL I know this is totally off topic but I had to tell someone!

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا