بقلم/ ماهيتاب أحمد
دائمًا ما يتردد على مسامعنا جملة “دايمًا أول مرة في كل شيء مميزة ولا تنسى”، أو تعلموا! هي الحقيقة فعلاً في حلوها ومرها.
قد تكون أول مرة يدق بها القلب، وقد تكون أول مرة يخذل كلامها يترك علامة، وكلاهما لا ينسى، أكاد لا أنسى مرات الخذلان التي مررت بها في حياتي، وأيضًا أوقات العوض الجميل.
كبرت كفاية لأدرك أن لكل أول مرة سببًا، أول مرة لأتعلم منها الدرس فلا أخطئ، أول مرة لأكون أسعد مَن على الكوكب.
أتذكر أول مرة وقفت على مسرح لأتحدث أمام حشد كبير عن مشروعي وحلمي الخيري الذي عكفت عليه سنوات، ليكون محل ثقة لأهالينا المحتاجين قبل المتبرعين، أتذكر أنني كنت مريضة ومترددة في حضور الحدث، وهو حدث كبير يضم الكثير من الفرق الخيرية في المنصورة، في قصر الثقافة، أتذكر صوتي المهزوز من دور البرد شديد.
لكني صعدت وكانت أول مرة، تحدثت بخوف وصوت متحشرج من الخوف قبل البرد، ثم جاء دور إيماني بما أقوله لينهي صراع خوفي وتعبي، وبدأت الحماسة والثقة، ومن ثم التصفيق والامتنان، وكانت أول مرة أشعر أن الإنسان أيضًا يستطيع الطيران، فللسعادة مقاييس أخرى.
أتذكر أول مرة سافر فيها أبي للعمل بالسعودية، أتذكر أننا كنا بالمدرسة ودخلت علينا المشرفة لتخبرنا أننا سننصرف مبكرًا أنا وأخي وأن والدينا جاءا لأخذنا، أتذكر أنني لما رأيت أبي والسيارة والحقائب أدركت أنه اليوم المشهود، ظللت أنظر إليه طوال الطريق، كنت صغيرة وأكاد لا أتذكر إلا هذا اليوم من هذه الحقبة في عمري، وصلنا للمطار احتضنني وكنت أريد أن أقول له لا تتركني، لكني لم أقُلها لعلمي أنها لن تجدي نفعًا في هذه اللحظة.
تأخرت الطيارة عن موعد إقلاعها لأمر ما، وهنا تساءلت هل الله سمع صلواتي! لكنها في نهاية الأمر صعدت، وصعدت معها روحي، وهنا كانت أول مرة يكسر بها قلبي.
أتذكر أول مرة تقيأت فيها أمام زوجي كعرض من أعراض حملي، وكنت محرجة، فربت على كتفي وأنا أتقيأ وأخبرني أن لا بأس، وأخذ يردد “معلش.. معلش”، وهنا كانت أول مرة أشعر أنني شريكة حياة ولست زوجة فقط.
أتذكر أول مرة تتعب بها أمي لدرجه أنها تدخل فيها العناية المركزة، أتذكر أنها أيقظتني في الفجر لتوصيني بإخوتي وأبي لأنها تشعر بتوعك شديد، وأني أيقظت أبي وخالتي ونزلنا بها للمستشفى ودخلت للعناية، وهنا كانت أول مرة أعرف بها أنني لا أملك من نفسي شيئًا، بل أن هذه السيدة تملكني وأنها ليست هي المتصلة بالأجهزة، بل أنا.
أتذكر يوم ولادتي لابنتي، وعندما خرجت من غرفة العمليات لأسمع صوتها تبكي، وشعوري بمقاومة آثار البنج لأستفيق وأطلبها لأراها وأضمها، وعندما فعلت كانت أول مرة أشعر بالإعجاز وقدرة الله العظيمة، بل أول مرة أشعر أنني أم، شعور غريب ما بين قوة ووهن، سعادة وخوف، امتنان وتساؤلات.
أول مرة ليست فقط حدثًا أو موقفًا، بل إنها أول مرة يحفر إحساس في القلب ولا ينسى بمرور السنين والمواقف والأحداث، سواء كانت أول مرة سعادة أو أول مرة خوف أو أول مرة حزن أو أول مرة فخر وهكذا.
فمتى كانت أول مرة لكم غيَّرت حياتكم ومشاعركم وخططكم للأبد؟
تجربة أول مرة تحفر في القلب إحساسًا لا يُنسى