– ماما: شفتي؟ مي طلعت حامل!
– أنا: أيوة.. أنا مش متعاطفة معاها نهائي.. عشان هي غبية وأنا مبحبش الأغبيا.
– ماما: حرام عليكي يا منار، دي غلبانة والدنيا ملطشة معاها قوي.
هذا حوار دار بيني وبين أمي عن “مي” (هديل حسن) بمسلسل “سابع جار”، تعاطفت أمي مع “مي” بالرغم من علاقتها المحرمة بحبيبها “أحمد”، شعرت بآلامها، وربما دمعت عيناها حزنًا عليها، ولو كانت “مي” فتاة في عمل تليفزيوني آخر لتمنت لها والدتي الموت بعد أن سقطت في الخطيئة.
ولكن “مي” مختلفة عن أي فتاة في مسلسل آخر، مثلها مثل جميع الفتيات في هذا العمل، فـ”سابع جار” جعلنا في بدايته نشعر أننا نحيا في هذا العقار، نعرف أشخاصه جيدًا، فكم منا وجد في “لمياء” (دلال عبد العزيز) والدته، وفي “ليلى” (شيرين) إحدى خالاته؟! وكم منا شعر أن “نهى” (هيدي كرم) تشبه أخته كثيرًا، ومن المؤكد أن كلاً منا وجدت نفسها في إحدى هؤلاء الفتيات.. ومن هنا جاء الاختلاف.
فبالرغم من اعتراض الكثيرين على بعض الأحداث لكنه لا يزال الأغلبية حريصة على متابعته باهتمام، وأنا لا أعتقد أنهم بانتظار انتقام القدر بسقوط العقار على رأس قاطنيه، ولكن السر يكمن في النساء.
النساء والنساء فقط هن السبب في نجاح هذه الدراما، فالنساء هن من يعرفن خفايا البيوت جيدًا، يعرفن ما يدور خلف الأبواب، يعرفن ماذا ترتدي والدتي في المنزل، كيف ترفض أعز صديقاتي الزواج بالرغم من رغبتها في إنجاب طفل، وكيف يمكن أن نتعثَّر ونقوم ونواصل دون أن نسقط في الهاوية.. فالنساء هن من حملن على أكتافهن هذا الوطن في كل كبواته، وهن اللائي جمعن شتاتنا ولا زلن يجمعن، وهن اللائي يُصدِّقن في وجود حكمة من كل هذا، بل يبحثن عنها حتى يجدنها.
وهن اللائي يحملن الألم في طيات صدورهن، يخفينه جيدًا مثلما يخفين جميع أسرارهن، لا يظهرنها أبدًا، لا ينكسرن ولا ينحنين ولا يهربن حتى وإن هددن بالهروب.. فقط يخجلن من الاعتراف بكبواتهن، لأنهن لا يجدنها فخرًا مثلما يفعل الرجال، فما يجدنه هن كبوات يجده الرجال صولات وجولات.
فحتى إن سقطن في الخطيئة مثل “كريمة بنت عفاف” التي تقوم بدورها صفاء جلال، التي أجادته نِعم الإجادة، فهن دائمًا يبحثن عن بداية أفضل، ولا يتركن الملاذ إن وجدنه.
والنساء هن اللائي قررن أن يقمن بعمل درامي حقيقي، مثلنا ومثل آلامنا ومثل ثورتنا ومثل أحلامنا الضائعة ومثل الوطن.
ومن عالم النساء هذا خرجت لنا هبة يسري بنص نسائي محكم التفاصيل، تعاونت مع آيتن أمين ونادين خان في إخراجه، ليكون حقيقيًا جدًا لدرجة أخافت البعض خوفهم من النظر في المرآة، ولكن الغالبية العظمى شعرت بالحميمية التي شعرت أنا ووالدتي بها، فمثلما تعاطفت والدتي مع “مي” بالرغم من اختلافها معها اختلافًا جذريا، شعرت أنا بالحزن لـ”دعاء” التي لا تستطيع أن تعثر على عريس الصالونات المناسب.. فلم تجد أمي “مي” فاجرة، ولم أجد أنا “دعاء” (فدوى عابد) رجعية معقدة، بل بكيت معها وهي تطلب الخلاص.
لا أعلم كيف نجح هذا الثلاثي في جعلنا نتقبل الآخر بهذه السلاسة، هل قررت النعامة أخيرًا أن تُخرِج رأسها من الرمال لتنظر حولها، أم أن مثل ما قرأت في مجلتي المفضلة في طفولتي، النعامة لم تدفن رأسها في الرمال مطلقًا ولكنها كانت تنتحل شخصية شجرة حتى تستطيع الاختباء؟
أخبرني والدي عندما كنت طفلة صغيرة، عن قصة لم تغادر خيالي قط: يحكى أن رجلاً ذهب إلى جاره العجوز الذي اشتهر بين جيرانه وأحبابه بالحكمة، يسأله في أمر يحيره، إذ تبوَّل الكلب على أحد جدران منزله فنجَّسه، فأجابه جاره العجوز أنه لا مفر إلا من هدم هذا الجدار وإعادة بنائه سبع مرات، حتى يتطهر من النجس، ولكن عندما أخبر الرجل جاره الحكيم أنه الجدار الفاصل بين منزليهما تراجع الحكيم خوفًا من الفوضى التي سوف تصيب منزله من آثار البناء والهدم قائلاً: قليل من الماء يطهرها.
هذا ما أراد أن يخبرنا به مسلسل “سابع جار”، الأمر لا يتطلب شق رؤوس أو هدم جدران، فقط علينا أن نغسل عقولنا من نجس رفض الاختلاف، وأن نضع أنفسنا محل الآخر قبل الحكم عليه.