بقلم/ د. ياسمين ناجي
فكرت كثيرًا ماذا أكتب في أول مقال لي، وبعد تفكير طويل تذكرت أن السبب الأول والأخير في وجودنا على هذه الأرض هو تعمير الأرض، كوننا خليفة الله في أرضه.
نعرف جيدًا أن الأبوة والأمومة فطرة طبيعية بداخل أغلبنا، ومهما تظاهر البعض بعدم الاهتمام بأن يكون أبًا أو أمًا، ولكن كثيرًا ما تغلبه طبيعته وتجعله يشتاق في مرحلة من مراحل عمره بأن يسمع كلمة تقال له صباحًا ومساءً “بابا” أو “ماما”.
ما أجمل هاتين الكلمتين!
فبالرغم من بساطة هاتين الكلمتين اللتين تتكونان من أربعة أحرف فقط، لكنهما تحملان العديد من المعاني الإنسانية ذات جمال وإحساس لا يوصف، ولا أحد يشعر بها إلا عندما يحمل طفله بين ذراعيه ويضعه في أحضانه ويسمع تلك الكلمة من فمه الصغير، سرعان ما تذرف عيناه بالدموع من فرحة سماعه لتلك الكلمة.
إن حياة الإنسان أمانة في عنقه، حمَّلها له الله سبحانه وتعالى بعد أن فضَّله على سائر مخلوقات الدنيا، وقيمة حياة الإنسان تأتي في اهتمامه بنفسه وحرصه الشديد على صحته الجسمية والنفسية معًا. فالأبوة اليقِظة والقلب المفتوح حماية للأبناء وبناء مستقبلهم. والأسرة هي الخلية الحية في كيان المجتمع البشري، وتتكون من الأب والأم والأولاد.
لذا يجب على كل أب وأم يسعيان للحفاظ على صحة أبنائهما الجسمية والنفسية معًا، أن يعرفا أن الطفل منذ ولادته يصبح عضوًا في مجتمع صغير هو الأسرة. وأن حياته في هذا المجتمع عملية تربوية متصلة الحلقات، وكل فرد في الأسرة له دور فعال في كيان الأسرة، وإن علاقات الطفل مع أسرته ومجتمعه ستتحدد إلى درجة كبيرة مع ما يملكه من قدرات، واستعدادات أي فرد سيكون في المستقبل، ولكي نحقق للطفل (أي رجل المستقبل) الحياة المستقرة المثمرة البعيدة عن الصراعات النفسية، ينبغي أن نوفر له: الحب والعطف.
هل تعرفون من هو الطفل؟
ذكر الشاعر الإنجليزي “وردز ورث” في إحدى مقطوعاته الشعرية أن الطفل هو أبو الرجل، من الناحية السيكولوجية، ومعناها أن خبرات سنينه الأولى لها أبلغ الأثر في حياته اللاحقة كلها.
و”الطفل” هو مصطلح يُطلق عادة على الإنسان منذ ولادته وحتى مرحلة البلوغ. ومرورًا بكل تلك المراحل يخضع النمو الإنساني منذ لحظة الإخصاب حتى الممات إلى تغيرات مستمرة، فهو ليس في حالة ثابتة، بل يحدث له تطور وارتقاء خلال مراحله المتعاقبة. ويحدث النمو بطريقة تحكمها عدة مبادئ أساسية وحقائق ثابتة وقوانين عامة.
مراحل النمو الإنساني:
قُسِّمت مراحل النمو على أساس العمر الزمني، ويتكون من عدة مراحل كالتالي:
1- مرحلة ما قبل الميلاد: وتمتد منذ بداية الحمل حتى لحظة الميلاد.
2- مرحلة المهد: وتمتد منذ الميلاد حتى سن عامين، وتتضمن مرحلتين فرعيتين، هما: – مرحلة الوليد: من الميلاد حتى نهاية الأسبوع الثاني.
– مرحلة الرضاعة: من نهاية الأسبوع الثاني إلى نهاية العام الثاني.
3- مرحلة الطفولة: وتمتد من نهاية العام الثاني حتى سن الثانية عشرة، وهي تقابل مرحلة مدرسة الحضانة، وتقسم إلى:
– الطفولة المبكرة: من نهاية العام الثاني حتى سن السادسة.
– الطفولة المتوسطة: من نهاية سن السادسة حتى نهاية سن التاسعة.
– الطفولة المتأخرة: من نهاية سن التاسعة حتى نهاية سن الثانية عشرة، وهي تقابل مرحلة الدراسة الابتدائية.
4- مرحلة المراهقة: وتمتد من نهاية سن الثانية عشرة حتى نهاية سن الحادية والعشرين، وتقسم إلى:
– المراهقة المبكرة: من نهاية سن الثانية عشرة حتى نهاية سن الرابعة عشرة.
– المراهقة الوسطى: من نهاية سن الرابعة عشرة حتى سن السابعة عشرة، وتقابل هذه الأعمار (12- 18) المرحلة الثانوية بأنواعها المختلفة.
– المراهقة المتأخرة: من نهاية سن السابعة عشرة حتى نهاية سن الحادية والعشرين وتقابل مرحلة التعليم العالي.
5- مرحلة الرشد: وتمتد من سن الثانية والعشرين حتى سن الستين، وتقسم هذه المرحلة إلى مرحلتين:
– مرحلة الرشد المبكر: من سن الثانية والعشرين حتى سن الأربعين.
– مرحلة العمر الأوسط: من سن الحادية والأربعين حتى سن الستين.
6- مرحلة الشيخوخة: وتمتد من سن الستين حتى الوفاة.
مطالب النمو العامة في كل المراحل:
كل مرحلة من مراحل النمو لها مطالب، ولكن توجد مطالب النمو العامة في كل المراحل وتتمثل في:
– نمو واستغلال الإمكانات الجسمية إلى أقصى حد ممكن.
– تحقيق الصحة الجسمية.
– تكوين عادات سليمة في الغذاء والنوم والوقاية الصحية.
– تعلم المهارات الجسمية الضرورية للنمو السليم، وحسن المظهر الجسمي العام.
– النمو العقلي المعرفي واستغلال الإمكانات العقلية إلى أقصى الحدود الممكنة.
– تحصيل أكبر قدر ممكن من المعرفة والثقافة العامة وعادات التفكير الواضح.
– نمو اللغة وسلامة التعبير عن النفس.
– تنمية الابتكار وتنمية مهارات جديدة، النمو الاجتماعي المتوافق إلى أقصى حد مستطاع.
– تقبل الذات والثقة بالذات.
– تقبل الواقع وتكوين اتجاهات وقِيَم سليمة.
– التقدم المستمر نحو السلوك الأكثر نضجًا.
– المشاركة المسؤولة في الأسرة والجماعات الأخرى.
– الاتصال والتفاعل السليم في حدود البيئة.
– الاستمتاع بالحياة التي يستمتع بها الآخرون.
– توسيع دائرة الميول والاهتمامات والهوايات.
– تنمية المهارات الاجتماعية التي تحقق التوافق الاجتماعي السوي.
– تحقيق النمو الخلقي والديني القويم.
– النمو الانفعالي إلى أقصى درجة ممكنة.
– إشباع الغرائز الجنسية والوالدية… إلخ في حدود الدين.
– تحقيق الدوافع للتحصيل والنبوغ والتفوق… إلخ.
– إشباع الحاجات مثل: الحاجة إلى الأمن والانتماء والمكانة والتقدير والحب والمحبة والتوافق والمعرفة وتنمية القدرات والنجاح والدفاع عن النفس والضبط والتوجيه والحرية… إلخ.
– اكتساب مهارات عملية التوافق النفسي وتحقيق حالة التوافق.
– تحقيق الصحة النفسية بكل الوسائل.
فكم هو رائع أن يسعى كلا الطرفين للثقافة والقراءة عن كل ما يرتبط بالطفل منذ مرحلة ما قبل الميلاد حتى مرحلة الشيخوخة، وأن يشجع كل منهما الآخر في البحث عن المواقع الإلكترونية وشراء الكتب التي تملأ الأسواق وتتناول تلك الموضوعات، والقراءة بشغف وسعادة لمعرفة كل ما يتعلق بهذا الكائن الصغير قبل أن يأتي لتلك الحياة.
المراجع:
– الدسوقي، مجدي محمد. (2017). سيكولوجية النمو “من الميلاد إلى المراهقة”. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية.
– زهران، حامد عبد السلام. (2005). علم النفس النمو “الطفولة والمراهقة”. ط6، القاهرة: عالم الكتب.
– عبد المحسن، يسري. (2002). التوازن النفسي. القاهرة: دار المعارف.
– فهمي، مصطفى. (د.ت). سيكولوجية الطفولة والمراهقة. القاهرة، مكتبة مصر.
– فهيم، كلير. (2006). تأثير إدمان التليفزيون في الأطفال. القاهرة: دار المعارف.
قُسِّمت مراحل النمو على أساس العمر الزمني، ويتكون من عدة مراحل