إلى ابنتي

1498

إلى ابنتي

بقلم/ وجدان مال الدين

 

منذ متى وأنا أم؟! لقد مضى ما يقرب من10 سنوات على أول نبتة داخل أحشائي. كنت وما زلت طفلة صغيرة أنتظر صلاة الجمعة لأذهب مع أبي -رحمه الله- للصلاة، وأنتظر مكافأة كل أسبوع.. ليست حلوى، إنها كتب.. كتب كثيرة، رائحة أوراقها وصوت صفحاتها لا زلت أذكرهما حتى الآن.

أنتظر عودتي للمنزل ووجبة طعام أمي الساخنة اللذيذة، لتدفئ وتؤنس ما تبقى مني من طاقة، بعد إجهاد يوم دراسي طويل.

 

منذ متى أصبحت أمًا ينتظر وليدها الجائع رضعته فورًا؟!

لقد تزوجت صغيرة فعلاً، وأنجبت طفلي الأول وأنا في بداية العشرينيات. فتاة شرقية عروس تزوجت وبعد فترة قصيرة أنجبت. لم أكن أتخيل معنى الأمومة ولا الإنجاب. ولم يستوعب جسدي الهزيل حجم التغيرات التي تطرقت إليه بفعل تلك النبتة الصغيرة داخله. لم أكن أعلم أن الغثيان والقيء وكره رائحة معينة هو بدايات، مجرد بدايات، وأن هناك علامات تمدد وجرح عرضي جراء عملية الولادة القيصرية وآلام رضاعة وسهر وآلام عظام وأسنان وسقوط شعر واكتئاب حمل وولادة.

 

مات طفلي الأول بعد عام ونصف من ميلاده.. حزنت.. حزنت وعصفت بي كل مشاعر الأمومة واعتصرت قلبي ألمًا. هل ذلك حلم؟ هل هذه حقيقة؟ هكذا.. أصحو وسط مواعيد نومي تلقائيًا أنتظر أن أحضر لصغيري الرضعة، وأجد مهده خاويًا.. أين ذهب؟!

 

هل هذا كابوس؟ متى أصحو منه؟ لقد علقت بذلك النفق المظلم عامين كاملين. عامان أنتظر فيهما أن يقول لي أحدهم صغيرك بخير هيا أرضعيه واخرجا للتنزه.. خذيه إلى قلبك واحضنيه.. كان هذا مجرد حلم.

لم أتجرأ آنذاك على حكي مشاعري تلك.. لأنها كانت في أوج اشتعالها وخذلانها وانغلاقها وتوهج الحزن فيها. ولكن يكفي أن أقول لك عزيزي القارئ إنني حين رزقني الله بابنتي كم كنت أشتاق إليها.

 

ابنتي اسمها “سارَّة”.. سارّة لقلبي ولعمري ولروحي، حفظها الله ورزق كل مشتاق.

عمرها الآن اقترب من الرابعة ولله الحمد. وما زلت مغرمة برائحتها الطفولية الجميلة. ما زلت أتلمس جلدها الناعم وتعاريج مفاصل ذراعيها وكفيها الصغيرتين، وأنظر لعينيها البريئتين دومًا الباسمتين الضاحكتين وأبتهج وأحمد الله على نعمته.

في أي حركة عناد للأطفال أو خناقة لها أنظر لها وأرحمها من أي عنف يعصف بقلبها الصغير الطيب.

أحبك يا ابنتي.. أحبك حتى تصعد للسماء روحي.. أنتِ النور والبهجة والرجاء والأمل.

ما هذه اليدان الصغيرتان والقلب الطيب الطاهر النقي والروح البريئة الملائكية! أحبك.. أحبك جدًا.

كيف لنا أن نتحول إلى وحوش في وجه تلك الصغار إذا ما حدثت بعض الفوضى! كيف ومتى يستكشفون ويتعلمون إذًا؟!

 

أحدث نفسي بعقلها.. أود وقتها أن أعبث بحبيبات الرمال وألطخ يدي وقدمي في الطين وأقفز في بحيرة ماء.. لم لا؟!

فهي مجرد طفلة.. اتركيها تنعم ببعض الفوضى.

أنا أعتذر لها فورًا إذا صدر مني أي فعل جرح مشاعرها، وفورًا تسامحني بقلبها الطفولي البريء.

اللهم ارزق كل مشتاق وعوض كل فاقد وبارك واحفظ كل طفل وطفلة لأمهاتهم!

أحبك يا ابنتي.. أحبك جدًا يا سارة.

 

 

فلننعم معًا ببعض الفوضى

 

المقالة السابقةأستطيع ولكن لا أريد
المقالة القادمةعندما رحلت طنط هويدا
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا