إلى أبي

1055

 

بقلم/ رودينا عادل

 

لا أعرف كيف أبدأ رسالتي تلك، فحين كنت تسافر بعيدًا عنا في غربتك كنت أرسل إليك أشواق طفلة تفتقد أباها، ولكن غربتك الآن يا أبي لا أدري كيف أتعامل معها.. لا أدري أي رسائل قد تذهب إليك! ربما دعائي، ولكن، هل تشعر بي روحك؟

 

أدركت يا أبي في هذه اللحظة أنك كنت ستبلغ من العمر سبعين عامًا لو كنت بيننا. أتخيلك يا أبي وقد لامس الشيب خصلات كثيرة من شعرك. أتخيلك وقد داعبت التجاعيد وجهك، لكنك ما زلت محتفظًا ببريق عينيك ودفء قلبك. أراك بشوش الوجه كما كنت دائمًا يا أبي. أسمع صوتك كأنك لم تغِب أبدًا.

 

أتعلم؟ ما زلت أحتفظ ببعض كتاباتك، أظن أنني ورثت تلك الملَكة منك. أتعلم أني أذكرك كل يوم وأن الغربة لا تميت حبًا؟! أتعلم أن مصحفك الصغير يكون رفيقي في كل سفر وبذلك أشعر أنك معي؟!

 

لقد تعلمت الحب منك يا أبي، ومن هذا الحب أدركت معنى أن يكون لي شغف يعطي للحياة معنى، وحين كنت أبحث عن شغفي لسنوات بعد رحيلك تفاجأت أنك أوحيتني به حين كنت بيننا.

 

لقد كنت تحاول كثيرًا أن تجعلني أرى للحياة قيمة. الغريب هو أنني لم أدرك قيمة كل ما فعلته لأجلي إلا بعد رحيلك بسنوات كثيرة.. لقد أدركت أنك أعطيتني مفاتيح السعادة دون أن أدري.

 

علمتني أن الصلاة هي جنة الله على الأرض.. علمتني أن السفر هو الكنز الحقيقي في هذه الدنيا.. كنت تحثني كثيرًا على أن أحتفظ بكثير من الذكريات والصور، كنت تهتم كثيرًا بأن تقتنص الأوقات الحلوة من خلال الكاميرا، وأن تجعل لكل لحظة قيمة ولم أكن أعبأ حينها، لذلك كنت تقول لي إنني سأعرف قيمة تلك الصور بعد مرور السنوات، وقد فعلت.. أتعلم أن الكاميرا أصبحت رفيقتي دائمًا؟!

 

علمتني أن منتهى القوة هو الرحمة والعفو، وأن الحلم من سمة الصابرين. شيء واحد أعاتبك عليه يا أبي.. لم تعلمني كيف أواجه الحياة من بعدك.. لم تخبرني عن الوجه الآخر لتلك الدنيا.. لم تقل لي إن تلك المدينة الفاضلة لا وجود لها على هذه الأرض.. لم تقل لي ماذا أفعل مع كسرة القلب.

 

كان عليَّ أن أختبر الكثير لكي أكون ما أصبحت عليه الآن. كان عليَّ أن أدرك أن الحياة بها النقيض من كل شيء، أنه يوجد قبح كي أدرك معنى الجمال، يوجد حزن كي أدرك معنى الفرح، يوجد كره كي أدرك معنى العشق، يوجد يُتْم كي أدرك معنى أن تكون أبي.

 

هل تشعر بي روحك؟

 

المقالة السابقةهدلعني في 30 خطوة
المقالة القادمةالروتين مفيهوش سم قاتل.. بالعكس
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا