أنثى بصلاحيّة

511

 

بقلم/ غادة أشرف

في أحد الأيّام بعد تخرّجي قابلت جارتي الشمطاء منتظرة نزول المصعد، فتبادلنا السلام المعتاد، وسألتني عن نتيجة العام الدراسي السابق والأخير وعلى ما أنوي فعله، فأجبتها وأنا أحمد الله لأنّه رزقني ما تمنّيته، فوجدتّها تنظر إلى والدتي وتقول لها: الأهم متى سنفرح بها؟ وأغاظتني كلمة “الأهم” فرددت قائلة: الأهم لك ليس بالضرورة هو الأهم لي، وفي الوقت الحالي لديّ ما أرغب في خوض تجربته، وما أريد تحقيقه وبناءً على ذلك هذا هو الأهم لي. حسبتها ستصمت، ولكنّها فاجئتني.

 

نظرت إلى والدتي مرّة أخرى، ومسكت يدها في قبضتها، وخفضت صوتها، واقتربت منها تخبرها بالمعلومة النسويّة السريّة: انتبهي، هناك أشياء عند المرأة تقل بمرور الوقت، وغمزت لها. في تلك اللحظة بالذات، وجدتني أعلمها –استنادًا على نصيحة إحدى صديقاتي- بالمعلومة الأخطر على الإطلاق وأقول لها: والرجل أيضًا يا طنط، وهنا نظرت لي جارتي، وأمّي على أنّني فتاة عديمة الحياء. ولكن.. كيف أمتلك الحياء وأحترم من أمامي وهو يمزّق في عقلي وفي جسدي، ويمسك قلمًا عريضًا ليكتب على جبهتي تاريخ انتهاء صلاحيّتي؟!

 

في بدء الأمر يشترون لنا عروسة صغيرة، ثم يأتون لها بصديق يرتدي بدلة سوداء، فنكبر إلى أن نصبح في الثامنة عشر، فنحضر أحد أفراح الأقارب مرتديات فساتين جميلة وقد بدأت ملامح الأنوثة تظهر على أجسادنا، وحينما نصافح من له علاقة بالفرح، تغوص أعينهم في بحور أجسادنا، وترتسم على وجوههم ابتسامة واسعة مردّدين كلمة واحدة “عقبالك”، ثم نصبح في أوائل العشرينيات فيبدؤون في طرح الأسئلة “ألا يوجد شخص ما في حياتك؟” وحينما نقترب من منتصف العشرينيات يضعونا في خانة المقارنات، ولمّا نصل إلى الثلاثين يستصعبون وضعنا وتساورهم الشكوك، وفي الأربعين يقرؤون علينا فاتحة انتهاء حياتنا العاطفيّة والجنسيّة، ثمّ بعد ذلك نحن غير مرئيات.

 

أتساءل دومًا.. لماذا ينشغل الجميع بقضيّة زواجي أكثر من انشغالي أنا صاحبة القضيّة الأولى والأخيرة بها؟ ولماذا يهتم بها جيراني أكثر من اهتمامي أنا بها؟ والسؤال الأهم: لماذا يجعلوني أحزن حينما يذكّروني بما ليس موجودًا، ولا يفرحون معي بما هو موجود؟ ولماذا يعتبرون الإنسان رجلاً كان أو امرأة سلعة، والمرأة بمدّة صلاحيّة؟

 

نحلم، ونبني قصورًا شاهقة من خيال نتمنّى حدوثه، قد نسكن هذه القصور، وقد نظل نضع الطوبة الأولى لعدد ما من الأعوام، وقد يمضي بنا العمر دون أن نضع طوبة واحدة لأنّنا لم نجد ما نبحث عنه. ألست أحق بشريك أختاره ويختارني لنتشارك حياتنا معًا بدون ضغوط لا قيمة لها؟ أليس شريكي هو شخص يحمل صفات أريد أن أجدها فيه ويمتلك أحلامًا وطموحات نسعى في تحقيقها معًا ويحبني وأحبّه ويفهمني وأفهمه؟ أليس الزواج قرارًا ينتج عنه العديد من المسؤوليّات التي يجب أن نتحمّلها والذي نصبح مستعدين لها في مرحلة معيّنة ووقت معيّن؟ فلماذا تعجّلون بالساعة لتأتي السادسة قبل أن تصبح الخامسة وتجعلون الأمور تسير في غير مسارها الصحيح، فينهار الواقع لاختلال ثوابته، وتهترئ أرواحنا لكلماتكم الفاسدة؟!

 

ماذا إذا لم أقابل الرجل الذي أريده أنا يتشارك حياتي وأشاركه حياته؟ أتحكمون عليّ بالموت رغم أن قلبي وجسدي ينبضان بالحب؟ وماذا إن قابلته وأنا في الستين من عمري؟ أيمنعني الشيب من مشاركتنا الحب؟! وماذا تقولون إن علمتم أنّني في الواقع لا أرغب في الزواج؟ أتنهار حياتي لعمود قمت بإزالته في حين أن حياتي ترتفع يومًا بعد يوم بأعمدة لا تقل أهميّة عن الزواج بل وقد تزيد؟

 

أحدّث نفسي، وأتساءل، وأرغب أن أطرح على جارتي المتطفلة هذه الأسئلة، فأفكّر قليلًا، ترى هل ستتأثّر إن ناقشتها فيما يدور بعقلي؟ بالطبع لا، فأفكّر في ابنتها، أضربها بنفس السهم التي ترميني به وأناقشها فيما يمثّل أهميّة بالنسبة لي وأسألها ما حال طفلتك في دراستها، لقد علمت أنّها فشلت في امتحانها الأخير؟ ثمّ بعد ذلك أرميها بعدّة سهام أخرى حتّى تتساقط أمامي! يا إلهي! بالطبع أنا لا أريد أن أصبح مثلها. نظرت إليها وقلت: لا حياء في العلم، وأنا سعيدة جدًا هكذا، فقط ادعي لي أن يتحقّق ما أريد، وحينها قالت: يا رب.. لكن أنا لن أتركك وسأبحث لك عن عريس.

 

 

المقالة السابقةشوربات الشتاء.. المشوية
المقالة القادمةحديث إلى نفسي المفقودة
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا