بقلم/ دعاء حسام الدين
اصطحاب طفلي الصغير لزيارة طبيب الأطفال من القرارات غير المفضلة بالنسبة لي على الإطلاق، بحاجة إلى الدعم طوال الوقت حتى تمر هذه الفترة العصيبة من تعب طفلي.. وآخر ما تريد أذني سماعه هو كلمات تثبيط الهمم وضعف العزيمة كـ”كلنا أمهات.. هو إنتي لسة شوفتي حاجة! أومال لو عندك ٤ عيال؟”.
غرفة طبيب الأطفال تشكل رعبًا لي أكثر من صغيري، لأني أعلم جيدًا وعلى دراية تامة بعواقب الزيارة، مواعيد مرتبة لمتابعة جرعات الدواء.. رفض وبصق الدواء بشكل متتالٍ.. زن على الفاضي والمليان.. توبيخ من الطبيب وكأني من أحضرت الفيروس على طبق من فضة لطفلي.
تتردد على مسامعي أسماء المسكنات والمضادات الحيوية أكثر من وصفات برامج الطبخ التي أعشق متابعتها. رف كامل في مطبخي يحمل العديد من أدوية الأطفال، منها دواء السخونية والتقلصات وغيرهما من أسماء كانت مبهمة بالنسبة لي، حتى جاء إلى الدنيا قطعة قلبي الأول.
أجلس على المقاعد القاسية الملمس، ترمق عيني لوحة بالية ترتكز على أحد الجدران في آخر غرفة تمتلئ بالأمهات والصغار. أتلهف لسماع مساعد الطبيب ينادي على طفلي.
سترات طويلة غير متناسقة الألوان وعباءات سوداء وأحذية رياضية، ربما لا تليق بالجوارب التي ترتديها الأمهات اللاتي اعتدن زيارة عيادة طبيب الأطفال في أوقات متأخرة من الليل.
تجلسن على وجوههن مشاعر القلق الممزوجة بلحظات الانتظار الطويلة، لم تخترن المشاركة فيها بإرادتهن الحرة، إنما واجب كل واحدة كأم تجبرها المسؤولية نحو صغيرها الذي لا يملك سوى البكاء والزن المتواصلين دون فواصل، لأنه وسيلته الوحيدة للتعبير عن آلامه الكبيرة، التي لا تخجل أن تداهمه في سنه الصغيرة.
حكاوى سردتها قلوب الأمهات وأعينهن عن معاناتهن مع الصغار، وكأنها تشكو مرارة الأيام، كدواء الكحة المر على لسان صغيرها.
الأمهات الصغيرات أكثر من غيرهن في حاجة إلى العطف والحنان لتقبل مفاجآت المسؤولية الحديثة، وخصوصًا أن هذه الأم الصغيرة من فترة قصيرة كانت محل وموضع اهتمام أبوين احتضناها حتى تركت بيت والديها وتزوجت، وتعرضت لسلسلة من أحداث الحياة الزوجية التي ليست بالضرورة أن تكون كلها جيدة.
كان الشتاء أكثر فصول السنة قربًا لقلبي؛ ملابسه الثقيلة ومعاطفه الفخمة رائحة الكستناء (أبو فروا) والمشي تحت المطر أترك قطراته تلامس وجهي بمداعبة لطيفة وحنو دافئ على الرغم من برودة الجو، فكان الشتاء بالنسبة لي موسم العشاق الرومانسي، لكن بمجرد وجود طفل في حياتي هذا يجعلني أخشى ليالي الشتاء الحزينة التي ينجم عنها أدوار إنفلونزا متكررة، تتطلب زيارة طبيب الأطفال وانتظار دوري أكثر من الجلوس على طاولة مستديرة مزينة بالورود واحتساء مشروب الشوكولاتة المحبب لي.
حكاوى سردتها أعين الأمهات عن معاناتهن مع الصغار