أخيرًا عرفت أن الاكتئاب رفيق أناني

982

 

بقلم/ لبنى الخواجة

 

من واقع تجربة شخصية

لسنوات طويلة عِشت وتعايشت مع الاكتئاب، حتى صرت لا أتذكر منذ متى تحديدًا وهو رفيقي.

أصبحت متكيفة معه ومستسلمة له، وصار اكتئابي يحتويني ويسيطر عليَّ، وربما أصبح هو المتحكم في حياتي بكل تفاصيلها.

 

في طريقي مع أصدقائي لتلك المدينة الساحلية، للقيام برحلة خططوا لها منذ شهور، خططوا لها لأجلي، وأجلّوا تنفيذها أيضًا لأجلي، وبكثير من الحماس والترقب حان توقيت الرحلة المنتظر.

 

كان كل شيء مثاليًا، الطقس رائع والبحر بزرقته الساحرة يرحب بنا، وأنا وسط كل ذلك لا أمتلك شيئًا سوى رغبة عارمة في البكاء وحبس تلك الدموع المكتومة حتى لا تعكر صفو تلك الأجواء المثالية للجميع، ما عداي.

 

في الحقيقة، لم أكن أرى كل ذلك أو أشعر به بشكل مادي ملموس، كان عقلي واعيًا به وعيني تراه حقًا، لكن كان لإحساسي بمثابة تصفح مناظر طبيعية جميلة في إحدى المجلات لا أكثر.

 

حزينة.. أنا حزينة لدرجة البكاء كان هذا هو الإحساس الذي يسيطر عليّ، حزينة ولا أجد من يشاركني مشاعري تلك، لا أحد يشعر أو يفهم أو يستوعب ما أمر به وما أعيشه داخلي، ماذا إذا تحدثت عن كل ما بداخلي إليهم؟ “أكيد هيقولوا عليَّ نكدية”! هكذا طردت فكرة الحديث من عقلي وقلبي.

 

الاكتئاب صديقي الأناني

الاكتئاب كان رفيقي الحقيقي في هذه الرحلة، عدوه اللدود التعاطف، وكأنه يخبرني “أنتِ لي وحدي.. رفيقتي وأنا صديقك الوحيد.. أينما ذهبتِ أو ظننتِ أنك هربت”.

 

محاولة للهروب

مع ذلك حاولت الهروب من اكتئابي، همست لنفسي “سأتركك الآن، سأنفصل عنك ولو مؤقتًا، سأتجاهلك كطفل لزج مُلِح كثير الطلبات، أهشك كذبابة ملتصقة بأذني”.

 

يا رفيقي الأناني

إن لم أكن أشعر بالسعادة الآن، فأنا سأسعد فقط من أجلهم، ومن أجلهم، أيها الأناني.

تعلمت منك يا رفيقي الأناني الذي يستمتع بقيد رفقتي له بلا شريك، أن ألد أعدائك هم أقرب الأشخاص لي، صحبتي وأقرب البشر إلى قلبي.

 

من سماتك يا رفيقي الأناني استئثارك بي، وإجباري على الانعزال عن الناس.

تجعلني دومًا أتمنى لو كان اليوم بأكمله منتصف الليل.. لا بشر، ولا مكالمات ولا أطفال ولا خروج ولا واجبات ولا… ولا…

 

وضع أصبحت أعيشه وأتعايش معه، وأصبحت متكيفة معه بشكل رائع، لسبب بسيط، لخوفي من مضايقة جميع الأشخاص حولي.

صديقاتي أقرب رفقاء الحياة هن فقط من يتفهمني عندما أقول “مش عايزة أتكلم دلوقت”، يتفهمن أنها حالة مؤقتة تعني شدة حبي لهن وحرصي على عدم مضايقتهن، وأن الحديث معي في هذه الحالة غير مُجدٍ أو مفيد، وأن أفضل شيء في تلك الأثناء هو حضنهما المعنوي أو المادي لي.

 

ليكُنَّ سكني وملاذي.. فيسمحن بأحضانهن المعنوية والجسمانية بالتعامل مع مشاعري وأحاسيسي.. ثم نعود بعد ذلك كأن لم يكن هناك هذا الأمر، وترجع أحاديثنا وكأنها لم تنقطع.

 

كما أنهن يتفهمن معنى اتصالي بهن في منتصف الليل، أو في أوقات غير مناسبة، وبدون مقدمات أنطلق في وصلة بكاء غير مفهومة، وأحيانًا بعد سلام قصير، وأطلب منهن أن يتحدثن معي في أي شيء وكل شيء عن عالمهن.. حينها فقط يعلمن أنني على وشك السقوط صريعة أفكاري السوداوية، وأني انتبهت لنفسي في الوقت المناسب قبل الغرق التام.

مجرد معرفتي بأنهن هنا، موجودات بجانبي في أي وقت، معرفة أن هناك أشخاصًا في هذا العالم يهتمون لأمري دون أن يضطروا لذلك بسبب صلة الدم أو الرحم أو الرباط العائلي.. يعرفون كيفية التعامل معي أو تحمل أفعالي.. هو أمر مطمئن بالنسبة لي، وسند ألجأ إليه وملاذَا أهرب إليه، وفيه خلاص من قيد رفيقي الأناني.. اكتئابي.

 

من واقع تجربة شخصية

 

المقالة السابقةضياء” غير المضيء في مسلسل “الوصية”
المقالة القادمةقواعد الحب العشرة لكل المحبين أهم قواعد في الحب للمحبين
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا