i’m thinking of ending things: أين نذهب إن خذلنا الخيال

755

بقلم: نادية جمال

“سأحلم، لا لأصلح مركبات الريح

أو عطبًا أصاب الروح

فالقصيدة اتخذت مكانتها المكيدة في سياق الواقع

وليس في وسع القصيدة أن تغير ماضياً يمضي أو لا يمضي

ولا أن توقف الزلزال

سأحلم، لا لأصلح أي معنى خارجي

بل كي أرمم داخلي المهجور من أثر الجفاف العاطفي

(قصيدة الجدارية، محمود درويش)

I’m Thinking Of Ending Things

يتجه جايك للحلم، لصنع عالم خيالي موازٍ، فبعد مرور أربعة عقود على لقائه بها، تأكد “جايك” من استحالة تحقق أي شيء بينهما في الواقع، فسعى لإتمام كل شيء بينهما في خياله: الذهاب إليها وطلب رقمها، مواعدتها، اصطحابها لزيارة والديه، إدارة محادثات طويلة معها عن الأشياء محل اهتمامه. يجري على لسانها أبيات قصيدته المفضلة، وآراء نقاده. يتخيلها على كل شكل ولون، مرة كفيزيائية، مرة كشاعرة، مرة كناقدة سينمائية، مرة كفنانة، وآخرى كنادلة في مطعم. يبدل في أسمائها كيفما شاء، فهي بطلة فيلمه الكائن في عقله، قاعة عرضه التي لا تتسع إلا له، ولن يدري أحد بما يدور. بات جايك على يقين من أن هذا الخيال لن يغير أي شيء في عالمه الخارجي أو الملموس، ظن أنه سيجد فيه فقط تعزية عما فاته. ولكن إذا كان واقع المرء شديد القسوة والرداءة هكذا فكيف سيجد الحلم أي موطأ في نفسه؟

أحلام أم كوابيس

لكل منّا سماته الشخصية، التي نكتسبها نتيجة تفاعلنا مع عوامل عدة، أحيانًا ما تنصفنا هذه السمات، تحقق لنا المكانة، أو تساعدنا على الظفر بأشياءٍ ما، وأحيانًا ما تخذلنا، وتكون هي جلّ أسبابنا في التعثر والخيبات، وبين هذا وذاك يتشكل واقع الفرد. رحلة “جايك” في الحياة يتلخص معظمها فيما فعله به “ذاك”، فلم تسعفه شخصيته في الحوز بأي شيء، قصته وأحداثها لا تهتم كثيرًا برغباته، فقط تسير في طريقها نحو الانهزام.

جايك شخص وحيد، منفصل عن محيطه، يعاني من سوء فهم والديه له، دائمًا ما يكون مادة دسمة للتندر، لا سيما من الفتيات، مما جعله لا يستطيع إدارة حديث مع أي واحدة منهن.  جايك شخص نادم، حاضره يدور فقط حول أشياء لم يستطع فعلها في ماضيه. لما لم يحصل على وسام الحكمة بدلًا من وسام الاجتهاد في مدرسته القديمة؟ لما لم يذهب إلى هذه الفتاة منذ أربعين عامًا ويطلب رقمها؟ ماذا لو لم يكن متحفظًا أو قلقًا إلى هذا الحد؟

جايك شخص مهزوم تمامًا، لم ينصره أي شيء، حتى خياله يقف ضده. فعالمه الذي بناه في عقله بصحبة الفتاة يراه يتداعى أمامه، يجري بداخلها مونولوج عادةً ما تردد فيه جملة “دائمًا ما أفكر في إنهاء الأشياء”، تقصد أمورها معه، يسمع صوت حوارها الداخلي، ويتحطم في كل مرة من جديد.

جايك شخص متعب، دائمًا ما يفشل في الحصول على ما يريد، واقعه يصبغ أحلامه، حتى أصبح ليس بمقدروها ترميم أي أثر محطم داخله. لا مكان هنا للأحلام، ولا وجود لأي هامش تسبح فيه، في نفس كساها واقعها بالخراب. أحلام جايك ما هي إلا كوابيس محققة، امتدادًا لواقعه واعتقاده عن ذاته، لا أكثر. جايك شخص ولّى زمنه -الذي لم يأت- ولم يترك له إلا فرصة أخيرة وعديمة الجدوى للتأمل، في طريقه للعدم.

“بينما يتقدم بك العمر

لا يتحرك شيء

إلا أمواج الملح المتململة في جسدك

تغيم عيناك

وتحمل طقسك معك

تعود

بقدرة خارقة على الإبصار

وقد تملك الجوع من عينيك

تعود إلى الديار بقدراتك الخارقة الجديدة

إلى منزل من عظام

كل ما تراه الآن

كله

عظام”.

تنظر إلينا الفتاة الشابة، وهي تلقي هذه الكلمات من آخر قصيدة “الضياع”، ربما أراد جايك أن يتلو علينا قصته مع الشيخوخة وتقدم العمر وتمرد الجسد من خلالها، ربما جعلها تنظر في أعيننا لتخبرنا بما نحن مقدمين عليه، في يومٍ ما، ما دمنا أحياء. هي قصيدة عن حزن جايك، وعن خوفنا.

الفيلم صدر في مطلع سبتمبر من عام 2020، سيناريو وإخراج “تشارلي كوفمان”، عن رواية تحمل نفس الاسم للكاتب “إيان ريد”. من بطولة “جيسي بليمونز” في دور “جايك”، و”جيسي باكلي” في دور “لوسي”، و”توني كوليت” في دور الأم.

المقالة السابقةلماذا نكره أجسادنا: كيف تحددين المشكلة وكيف تواجهينها؟
المقالة القادمةعمليات التجميل: لماذا انتشرت لهذا الحد وما مخاطرها؟
مساحة حرة لمشاركات القراء