تأثير التحرش الجنسي على علاقتنا بأجسامنا

6653

يعرّف التحرش الجنسي على أنه أي فعل يحمل دلالة جنسية يتم بدون رضاء أحد الطرفين، ويشمل كل المضايقات التي تنطوي على استخدام إيحاءات جنسية صريحة أو ضمنية من أي نوع، سواء تعديات لفظية، غير لفظية/ بصرية، وجسدية، وسواء كان من أشخاص معروفين أو مجهولين للضحية. لذا فإن اعتبار البعض أن التحرش الجنسي هو فقط لمس السيدة أو الفتاة هو تصور خاطئ، حيث يشمل تعريف التحرش نطاقًا أوسع من هذا، تتعرض له الفتيات بشكل دوري، وفي بعض المجتمعات شبه يومي. وهو الأمر الذي يؤثر على الضحية جسديًا ونفسيًا كذلك، وهو أحد أهم المحاور المؤثرة على علاقة المرأة بجسدها ونظرتها له.

أثر التحرش الجنسي على علاقة المرأة بجسدها

يعتقد البعض أن تأثير التحرش الجنسي، في كونه سلوك عنيف فقط، حيث يدرج كأحد أنواع العنف ضد للمرأة ، ولكن لا يقتصر الأمر على العنف الجنسي فقط، بل يتخطاه ليعتبر أحد أهم العوامل التي تؤثر على المرأة في تعاملها مع جسدها كما ذكرنا سابقًا، فالمرأة التي تعاني من التحرش، أو تخاف من التعرض للتحرش، لن يكون تعاملها مع جسدها ونظرتها له بشكل صحي على الإطلاق حتى بعد تخطي فترة الطفولة والمراهقة، فاستمرار الإيذاء والتعرض للتحرش بشكل شبه دوري لن يعطيها الفرصة للتعافي النفسي والتصالح مع الجسد.

من أكثر الآثار النفسية التي تعاني منها السيدات نتاج للتحرش المنهجي في المجتمع، والذي يشملها ويشمل غيرها ممن تعرفهم أو تسمع قصصهم:

تقليل احترام الذات ولوم النفس

من أهم مطاهر التأثير النفسي للتحرش الجنسي على المرأة، هو تصدير شعور تدني احترام الذات لديها، فالمجتمع وخصوصًا المجتمعات العربية تلقي باللوم على المرأة المتحرش بها، حيث تجد التبريرات للتحرش مثل السؤال عن:

  • ملبس المرأة.
  • مكان وقوع التحرش وهل اختلت الضحية بالمتحرش.
  • علاقة الضحية بالمتحرش وهل تعرفه سابقًا.

وهكذا تنشأ صورة ذهنية لدى الفتاة بأنها منتهكة وأن تعرضها للتحرش نتيجة ارتكابها أخطاء أدت إلى ذلك، لتلوم نفسها، وتكره جسدها الذي تسبب في تعرضها ليس للتحرش فقط، بل للانتقاد وتحميلها مسؤولية الفعل، بأكثر من تحميله للمجرم الحقيقي، الذي يجد له المجتمع الأعذار فيما يعتبره سلوك الضحية.

شعور العار والانتهاك

جسدك عار، هكذا يقدم التحرش صورة بسيطة للفتاة عن نفسها، حيث الجسد مصدر لشعورها بالعار، لشعورها بكونها منتهكة، نفسيًا وجسديًا، فنظرة التفحص الطويلة ذات الإيحاء الجنسي تشعر الفتاة أنه تم تدنيسها وأن هذه النظرة التي سقطت فوق جسدها تؤلمها وتثير داخلها كراهية لذاتها ولكونها أنثى قابلة للانتهاك.

كراهية الجسد

إن كان هذا الجسد هو ما سيسبب لي التحرش/ اللوم/ الاتهام بالتساهل/ سوء السمعة/ التضييق، إذًا سأكرهه، هكذا تفكر الفتاة عند تكرار حوادث التحرش، فما بين دناءة وقسوة الفعل، وتلقيها اللوم على الفعل، ثم التضييق عليها، كمنعها من الخروج أو العمل أو الترفيه وغيره من أشكال المنع، تكتشف الفتاة أن جسدها هو السبب الرئيسي لمعاناتها، فتكرهه وتشعر بالنفور منه، لتلجأ لأحد النقيضين:

الاسترجال وكراهية المظهر الأنثوي

وهنا تلجأ الفتاة لحيلة نفسية شهيرة، وهو استبعاد أي مظهر أنثوي يمكنه أن يؤدي بها للتحرش أو الانتقاد، فترتدي ملابس أقرب لملابس الذكور، تمتنع عن أي شكل جمالي في مظهرها، بل تتحدث بطريقة خشنة، وتغلظ صوتها، وربما تلجأ حتى تعبيرات وجه ولغة جسد أكثر خشونة لتمحو الأنثى من داخلها، وتوأد مصدر الاتهام وسبب تعنيفها.

اقرأ أيضًا: إخفاء علامات الأنوثة: كيف يمكن للكبت أن يقتلِك؟!

التزيد والانفتاح الزائد

في المقابل فإن أخريات يقابلن الانتهاك لأجسادهن وتصدير مسؤوليتهن عن ذلك بشكل آخر، وهو الانفتاح الزائد، من منطلق: هل يؤذيك جسدي؟ هل تراه عار ومصدر لتعنيفي إذًا سأتحدى الجميع والمجتمع بإبراز هذا الجسد والاحتفاء به بشكل مرضي، فيتحول هو الشغل الشاغل للفتاة، وترى في إبراز مفاتنها بشكل زائد نوعًا من أنواع الانتقام من المجتمع الذي ينتهكها ثم يلومها على هذا الانتهاك.

كراهية العلاقة الحميمية

التحرش وخصوصًا عندما يتم في سن صغيرة يقدم صورة ذهنية شديدة السوء للفتاة عن الجنس، فالعقل الصغير للضحية يرى الفعل الجنسي كوسيلة للتعذيب والألم والعار واللوم، لتترسخ هذه الفكرة في نفسية الضحية، فالجنس مرادف للابتذال، حتى إن كان علاقة رضائية متقبلة مجتمعيًا كالزواج، حيث تنشأ المرأة في المجتمعات التي تنتشر بها ظاهرة التحرش، أكثر كراهية لفكرة العلاقة الحميمية، وفي دراسة عن الأثر النفسي للتحرش الجنسي على السيدات وجد أن الفتيات اللاتي عانين من التحرش الجنسي، يعانين في فترات طويلة من حياتهم من القلق والتوتر والكراهية لأي تقارب أو تلميح جنسي، بل يمكن أن يتحولن للاجنسية في بعض الحالات التي تشهد اعتداءات جنسية شديدة ولفترات مطولة، تربط فكرة العلاقة الجنسية بالعار والألم وكراهية الجسد والجنس على حد سواء، فتفشل الفتاة حتى في علاقتها الحميمة الطبيعية، نتيجة صوراتها الذهنية عن الجنس ككل، أو لكراهيتها لجسدها التي نشأت على مدار سنوات من الانتهاك.

الوصم المجتمعي والعادات والتقاليد

سيكون التساؤل الأكثر تداولاً: هل التحرش ظاهرة عالمية؟ وهل تأثيره على السيدات في العالم بأكمله بنفس الطريقة، والإجابة المؤسفة أن هذا حقيقي وحملة مثل #me_too برهنت على كون الأمر ليس حصريًا، بل أعطت نافذة للفتايات حول العالم للإفصاح، الذي هو أول طريق النجاة والعلاج، ولكن مع نظرة موضوعية للإحصائيات عن التحرش سنجد أن المنطقة العربية تعاني من تراكم الأفكار السلبية من عادات وتقاليد وفهم ديني مشوه، سواء لدى الرجال أو كثير من السيدات، مما يجعل المشكلة أكثر عمقًا، ويجعل الوصم الذاتي والمجتمعي وتأثيره نفسيًا على السيدات أكبر من أغلب مناطق العالم.

المجتمعات العربية الأعلى في التحرش

لذا فالبفعل إن كان التحرش ظاهرة عامة عالميًا فإن الإحصائيات تؤكد أن الأمر يزداد سوءًا في المجتمعات الأبوية، التي تنظر للمرأة نظرة دونية، لذلك فتحتل الدول العربية والإفريقية ومنطقة الشرق الأوسط الصدارة دائمًا، من حيث معدلات التحرش الجنسي ومدى سوئها.

8 ملايين سيدة يعانين من العنف الجنسي في مصر

وفقًا للمسح الذي أجراه صندوق الأمم المتحدة للسكان والمجلس القومي للمرأة والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر عام 2015، لدراسة التحرش الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي فإنه وجد أن نحو 7.8 ملايين امرأة يعانين من جميع أشكال العنف سنويًا. سواء ارتكبت بواسطة الزوج أو الخاطب أو أحد أفراد دوائر المرأة المقربة أو من الغرباء في الأماكن العامة.

ويعتبر التحرش الجنسي مشكلة منتشرة وخطيرة في مصر، حيث احتلت مصر المرتبة الثانية عالميًا بعد أفغانستان في التحرش الجنسي، وفق بحث “دراسة طرق وأساليب القضاء على التحرش الجنسي في مصر”، الذي أجرته هيئة الأمم المتحدة للمرأة في عام 2013 والتي أظهرت أرقامًا مثيرة للقلق والتأمل، فقد وجد أن:

  • أكثر من 99.3٪ من الفتيات والنساء المصريات اللائي شملهن الاستطلاع أفدن بتعرضهن لشكل من أشكال التحرش الجنسي في حياتهن.
  • 6٪ من إجمالي المشاركات في الدراسة لا يشعرن بالأمان عند وجودهن في الشارع والأماكن العامة.
  • ارتفعت النسبة إلى 86.5٪ من السيدات المشتركات في الدراسة أفدن أنهن لا يشعرن بالأمان في وسائل النقل العام.

تفاقم الأثر النفسي حيث المرأة العربية الأقل في الإبلاغ عن التحرش

يزداد الأثر النفسي نتيجة الخوف من الوصم المتجتمعي، ففي تقرير نشره موقع CNN عن إحصائيات الأمم المتحدة بالنسبة للتحرش الجنسي، فقد وجد أن المرأة العربية هي الأقل إحصائيًا في الإبلاغ عن تعرضها للتحرش بل أن المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط هي الأقل مشاركة في حملة #METOO التي تكشف وتدين المتحرشين عالميًا، وأرجعت أسباب ذلك، إلى:

  • وصم المرأة التي تتحدث عن تعرضها للتحرش.
  • العار المصاحب لحديثها عن هذا الفعل، ولومها لكونها هي السبب الرئيسي للتحرش.
  • يصل الأمر لفقدان المرأة لوظيفتها ومصدر دخلها في بعض المناطق.
  • قد تفقد المرأة حياتها نفسها إذا اقترن التصريح بالتحرش باحتمالية فقد الفتاة لعذريتها.

أوضح استطلاع الرأي الصادر من الأمم المتحدة أن 37% من السيدات العربيات قد تعرضن للعنف الجنسي خلال حياتهن. وفي مصر، وجد تقرير صدر عام 2013 عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة أن 99٪ من النساء اللواتي شملهن الاستطلاع، في سبع مناطق في مصر، قد تعرضن لشكل من أشكال التحرش الجنسي.

وهكذا فإن جريمة التحرش الجنسي في العالم العربي تحتاج إلى نظرة مجتمعية وقانونية جدية لتنقذ ملايين الفتيات من كراهية أجسادهن وربما حياتهن بأكملها.

المقالة السابقةختان الإناث: كيف بدأت كراهية جسدك
المقالة القادمةمقاييس الجمال عبر العصور والثقافات المختلفة

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا