ساعة الفطار على عتبات الأوليا.. مفيش محب إلا انكرم

593

عدسة: منال السيد

 

على صوت نصر الدين طوبار والنقشبندي يسير الجميع هنا، يلتسمون ابتسامة لا تُخيِّب ظن الصائمين، على بُعد خطوات من مقامات هادئة تراقب الجميع في حُب، على عتبات سيدنا الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة يجلس البعض ينتظر أذان المغرب، الموائد تفترش من الخامسة بعد العصر أي قبل الأذان بساعتين على الأقل، أتى من أتى إلى الزيارة أو استحضار حالة بعينها تسكن الأرواح، والبعض أتى لغرض في نفس محب.

 

الجميع يتحرك، البعض يجلس على الأرصفة الفارغة والبعض الآخر فضَّل البحث عن موائد بعينها، أكياس البلح تملأ المكان، حالة صافية من المحبة دون أي مصلحة إلا تلك الأيام المعدودات وأمل المغفرة والاستمتاع بنفحات بعيدة، وخلال المشهد قد يصادفك من يخرج من سيارة ويبدأ في توزيع ما أتى به داخلها على الجالسين في الشارع، أو كل من استطاع أن يصل إليه بيدين مملوءتين بالخير، يصاحب الفعل الكثير من الدعاء والابتسامة.

 

بينما تستقبلك “أم محمد” داخل مقام السيدة نفيسة لتخبرك “لو هتفطري هنا المكان ده طراوة، تعالي اقعدى فيه لغاية الأدان”، وتنتهي جملتها وهي تضع يديها في جيبها وتخرج كيسًا به بلحتين وتطمئنك “المشروب قبل الأدان بشوية هيبقى عندك”.

 

أما لدى “أم العواجز” أو السيدة زينب، فالجميع لا يُحرَم من محبة مماثلة، فالشوارع المحيطة بمسجد رئيسة الديوان تحتمل حكيًا أكثر، وموائد أكبر، ووشوش أوضح، ساحة المقام والمسجد تشمل علبًا لا تعرف هويتها، أو من أتى بها إلى هنا أنت فقط تجلس وتحمل نصيبك لا غير.

 

وفي المشهد الحسيني طوال سَيْرك في اتجاه شارع “أم الغلام” المجاور لمسجد الحسين بالقاهرة ستلاحظ أن بعض المارة يحملون طواجن من الطعام من اتجاه بعينه، والبعض الآخر يطلق الكثير من التساؤلات حول العطفة اليمنى من الشارع نفسه، فيشير لهم السكان على المكان المطلوب، درجات السلم تفصلك عن مشهد بديع لسيدة وأبنائها وأحفادها بنات وأولاد يغرفون الطعام في الأطباق والطواجن ويقسمون الخبز بجوار السلطات وينتظرون المزيد من الناس.

 

يوميًا قبل أذان المغرب بساعة يتم التجهيز للإفطار على مائدة الرحمن المستترة التي تنزوي بها “الحاجة ليلى” وعائلتها، تجلس بجوارها حماتها تُشرِف على المشهد النبيل، يأتيها البعض من يريد أن يتناول إفطاره في منزله أو في مكان، بعيد فتعطي أمرًا لمن يقوم بالغرف أن يجهز له ما يريد.

 

“الله يزيدك يا ماما”، دعاها رجل أربعيني لصاحبة الوليمة ورحل، ثم بدأت تُحدِّثنا عن “المائدة الطازة” كما يُطلِق عليها الناس في المكان، والسبب في التسمية أنها يوميًا تُعد أنواعًا مختلفة من الخضار الذي تُخزِّنه طوال العام في ثلاجتها من فاصوليا وبامية وقلقاس وبسلة وسبانخ، كما أنها لا تبيت أيًّا من الطعام.

 

حاولنا التقاط تفاصيل المكان المكوَّن من حارة صغيرة، أو عطفة كما يطلق عليها، مكونة من عدة دكاكين بعضها يخص الحاجة ليلى التي تبيع “السِّبَح”، والبعض لا يخصها لكنها أجَّرته من أجل مائدة الرحمن، الكثير من الأواني الكبيرة والأطباق والطواجن والأكواب، تقول إنها تقسم الأيام بينها وبين بناتها الأربعة المتزوجات، كل واحدة تأتي للعمل معها خلال شهر رمضان من أجل المائدة.

 

تنفق على المائدة مما تدخره خلال العام من أجر عامل زيادة في دكان السبح، كل أسبوع تدخره لتجمع مبلغًا مهما كانت الظروف لعمل المائدة التي اعتادتها، فهي تردد “الخير في المائدة دي”، وفي يوم ليلة القدر في السابع والعشرين من رمضان تختلف المائدة يقينًا في يوم مفترج لا تُرَد فيه دعوة فتضيف إليها صواني الجلاش باللحم والمكرونة الباشميل والفراخ المشوية، مرددة هنا “بياكل الغني والفقير”.

 

“الأكل في الحسين غالي”.. تُعيِد الحكي الحاجة ليلى وهي تناول أحد المارة كوبًا من التمر هندي، مؤكدة أن البعض يُفضِّل أن يحصل على وجبته ويمشي لا يجلس على المائدة، وهي تحترم رغبته، أحيانًا يدخل عليها بعض العابرين اعتقادًا منهم أنه مطعم وفقًا لوصف أحدهم، وبعد أن ينتهوا من الطعام وشرب الشاي يطالبون من يخدم في المائدة بـ”الشيك”، فتخبرهم أنها “الشيك أنا أخدته خلاص”.

المقالة السابقة7 خطوات عشان تحسي ريحة رمضان
المقالة القادمةدراما رمضان تقليد واستسهال وعودة للقديم
نسمة تليمة
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا