مركب نجاة

650

لم أر ورقة أمامي إلا وصنعت منها مركباً ورقياً، ولم أعِ ذلك إلا من ضحكات زملائي في العمل على كم المراكب التي صنعتها. حينها فقط ربطت بين عقلي الباطن وتصرفاتي اللاإرادية، غير الواعية. هنا فقط سألت نفسي، هل أريده؟ هل أطيع أمي؟ هل هو مناسب؟ هل أستسلم؟هل أنا على شفا حفرة؟

منذ جلس معي للمرة الأولى في ذلك الركن الهادئ بالبيت (الصالون) أدركَ فوراً أني فتاة أحلامه التي طالما بحث عنها بين نساء العالم. أيقنت ذلك بمجرد أن نظرت إليه، شعرت بحديثه الداخلي “نعم.. إنها تستحق عناء السفر من الأسكندرية إلى هنا كي أراها”. ماذا فعلت يا أمي كي توافقي على زواجي من غريب وتمنحيني تذكرة الغربة؟ وأي عقوبة حدّها البعد والمنفى؟

وإن لم تكن عقوبة.. فهل وثقت في هذا الشاب الغريب كي تسلميه ابنتك ليأخذها في بلد غريب عنها؟ وإن لم تثقِ فيه، فهل رغبتك في إزالة الحمل عن كاهلك ستزول أبدا؟ ربما آتيك بعد عام مطلقة؟ لماذا يا أمي لا تأخذين جواباً نهائياً صارماً حازماً، وتأمرين ألا تغترب ابنتك وتظل بين أحضانك؟ صنعت المراكب ووضعتها أمامي لأنه لا بحر أسيرها فيه.. فهكذا ستظل معلقة روحي.

تكررت الزيارة في نفس ذلك الركن الهادئ حتى شعرت بارتياح وقبول، وبّخت نفسي لسرعة الحكم عليه، وبدأت أعيد تنظيم حياتي وفقا لوجوده، حتى عملي لم تكن إجراءات النقل صعبة على الإطلاق، حتى أن شقته كانت أمام المدرسة التي كنت أعمل بها لكن فرع الإسكندرية. وفجأة، بعد أن رسمت كل ذلك في مخيلتي انقطع الاتصال، ولم يعاود الزيارة، وبعدها ببضعة أيام اتصل للاعتذار عن الخطبة برمتها بنفس الجملة الشهيرة (مفيش نصيب).

لم يبدِ أسباباً، ومن جهتنا لم نسأل عن السبب قط. تذمّرت كثيرا، وشعرت بالخزي والخجل، كيف له أن يتركني بهذه الطريقة بلا مقدمات أو أسباب واضحة، لماذا سعى خلفي حتى نال رضاي.. ليتركني بعد ذلك؟ كنت ساخطة عليه بشكل غريب..لم أعِ أبدا أن الله كان له ترتيب آخر يتضمن نجاتي من الألم والجرح إذ لم يمر عام إلا وكان ذلك الشاب يرقد بسلام في ذمة الله.

راجعت نفسي، وتأملت حكمة الله بألا أمر بتجربة فقد شخص عزيز والتي لا أدري إن كنت سأستطيع تجاوزها في ظل وجودي في مكان بعيد يمثل فيه زوجي لي الرحم الآمن. هل كنت سأتحمل ؟؟ النجاة هي الرضا بقضاء الله وترتيبه للأمور فما منعك إلا ليعطيك.

المقالة السابقةبنت بـ100 بنت
المقالة القادمةاحتفالية على أد الميزانية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا