الحياة في صُحبة النساء أجمل

1052

يظن البعض أن الحياة وسط عالم من النساء هي الجحيم بعينه، حيث النميمة والغيرة والهرمونات المختلة… إلخ، لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن وسط الجلسات المغلقة للنساء، حيث الوَنَس والقلوب المفتوحة على وسعها كثيرًا ما يُطرح تساؤل: لماذا لا تعيش النساء وحدهن دون رجالٍ فتستريح؟! إيمانًا منهن أن هكذا سيكون العالم أفضل، وأكثر سماحةً واتساقًا، أكثر أمانًا وتلقائية، أكثر دفئًا وحميميةً، أكثر شغفًا وطبطبة.

هذا التصوّر ليس وليد مجموعة واحدة، بل الكثير جدًا من “الجروبات” مُختلفة التوَجُّه والمرجعيات، وإن كنت لا أعرف هل في عالم الرجال غير المرئي يُفكرون بالطريقة نفسها، أم أن وجود النساء لا بديل عنه بالنسبة إليهم!

اقرأ أيضًا: حكاية 3 بنات ملهمات

النساء هنّ الشُجاعات

أحد الأعمال الفنية الحديثة التي قد تدعم الفكرة نفسها، أو بمعنى أدق تجعلها تبدو منطقية، المسلسل التليفزيوني الجديد “Unbelievable” وهو عمل درامي إنساني وتشويقي من ثماني حلقات، عُرض على شاشة نتفليكس الشهر الماضي، علمًا بأن قصته مستوحاة من حادثة حقيقية جرت بين 2008-2011.

النساء
مسلسل Unbelievable

تبدأ أحداث المسلسل في 2008 مع “ماري”، الفتاة المُتبناة من قِبل أسرتين، وتعيش بمفردها في إحدى شقق دار رعاية للشباب البالغين. تتعرَّض ماري للاغتصاب من شخص مجهول، ورغم فداحة التجربة فإنها تتصرَّف بشجاعة، فتُقرر إبلاغ الشرطة.

يتولَّى القضية اثنان من المُحققين الذين يُطالبونها بإعادة سرد إفادتها الكثير من المرات، وبدلاً عن التعامل مع القضية بإنسانية يتوقّفان عند تغيّر بعض التفاصيل، فيبدآن بالتشكك في أقوالها. خصوصًا مع اعتراف أمها البديلة بأنها طالما كانت تميل لجذب الاهتمام، بالإضافة إلى رد فعلها غير الهستيري بعد الحادث، وهو ما يراه الكثيرون غريبًا، كما لو أن الضحايا عليهنّ جميعًا انتهاج رد الفعل نفسه.

هنا يضغط المُحققان أكثر على “ماري”، فيبدآن باتهامها ضمنيًا بكونها اختلقت القصة، وإن أنكرت سيضعانها تحت اختبار كشف الكذب، فإذا ثبت كذبها ستتعرَّض للسجن. وأمام كل ما حدث أو يُمكن أن يحدث تعترف “ماري” بأن القصة غير حقيقية، مما يجعل الكل ينفر من حولها، فتخسر أصدقاءها وعملها وتعيش لسنوات منبوذة ووحيدة، قبل أن تجد نفسها بعد فترة مُتهمة بالكذب وإزعاج السلطات ومُهددة بالسجن.

في ذلك الوقت تُرتكب جريمة اغتصاب أخرى في مكان بعيد جدًا، غير أن المُحققة فيها هذه المرة امرأة، وبالتالي شتَّان بين التعامل في هذه القضية والقضية الأولى. إذ تتعامل المُحققة مع الضحية بمنتهى الهدوء واللطف، فتُحاول دعمها وطمأنتها، فيما تأخذ مهمة إيجاد المُغتصِب كمسألة حياة أو موت، فتبدأ بتحرِّي التفاصيل الدقيقة والبحث عن أي خيط واتباعه.

تلعب الصدفة دورها حين تقص المُحققة تفاصيل القضية على زوجها الشُرطي، فيُخبرها أن في دائرته البعيدة امرأة تعرَّضت للاغتصاب أيضًا، وهناك بعض التفاصيل المشتركة بين هذا الحادث وذاك.

هكذا تلتقي المُحققة الأولى بالثانية التي تُتابع الحادث الآخر، لتبدءا معًا تَقَصِّي الحقائق، ومُطاردة الأدلة مهما بَدَت واهية، والبحث عن ضحايا أخريات عساهن يستكملنّ من خلالهن ثغرات اللغز الملعون، فيُلقين القبض على المُغتصِب المُتسلسل الذي يهدد سلام النساء الأخريات.. وتتوالى الأحداث.

النساء هنّ الناجيات

أذهب أسبوعيًا إلى “جروب ثيرابي” نسائي، بدأته بنِيِّة الخروج من استغراقي في ذاتي، ومحاولة استكشاف الأراضي الأخرى التي تقف عليها نساء أخريات، لعلي أرى النصف الممتلئ عندي من الكوب وأمتن له. في الجلسة الأولى شعرت أن الغالبية العظمى من تلك النسوة لا تُشبهنين بشيء، من هؤلاء؟! كيف سأنسجم معهنّ؟! هل أعتذر عن الذهاب، أم أكتفي بوجودي بينهن دون أن أسمح لإحداهن بتجاوز الخط الفاصل بيني وبين الغرباء؟

كل تلك الأسئلة وأكثر دارت بذهني، قبل أن أكتشف مع الوقت نقاط تشابه أكثر عُمقًا من المظهر الخارجي، أو القناعات التي تفترشها كل منا على السطح. فداخل قلب كل واحدة منا ذكريات وأوجاع و”عُقَد” ما زالت تنخُر عظامنا حتى الآن، نُحاول التعافي منها قَدر المُستطاع والتصالح مع من وضعوا بذورها داخلنا.

ومرة تلو أخرى تستند كل منا إلى إحدى حكايات الباقيات، ترى فيها جزءًا من روحها رُبما لم تكن تعلم بوجوده، أو ظلت تُخفيه عُمرًا بأكمله. تمامًا كالأحجية، تضع كل واحدة منا قطعة من روحها فتُكمل بطريقة سحرية ولا إرادية لوحة امرأة غيرها، عاشت لسنوات تبحث عن تلك القطعة المفقودة دون جدوى.

اقرأ أيضًا: فتيات إفريقيا الجميلات الممتلئات

النساء هنّ الحقيقيات

كان القدر كريمًا معي هذا العام رغم الصعاب، فأتاح لي فرصة قطع خطوات ليست بالهينة نحو استكشاف ذاتي، ومحاولتي المُستميتة لإيجاد إجابات أسئلة تقف في وجهي وتُعيقني عن الاستمتاع بالحياة. إحدى هدايا الله جاءت على هيئة ورشة “سَيكودراما بالكتابة”، وهي إحدى الورش الكثيرة ضمن برنامج سيكودراما برعاية الأمم المتحدة لتمكين المرأة، التي تُقام دوراته تباعًا في محافظات مختلفة في  جمهورية مصر العربية.

ذهبت إلى هناك ببعض التوقعات، باعتباري خُضت تجربة سيكودراما قبل سنوات، ورغم نيتي السابقة بعدم توسيع دائرة معارفي لتشمل أيًّا ممن بالورشة والاكتفاء بتقاطع طريقي مع تلك النسوة لبعض الأيام، لضمان أن أكون حقيقية بكامل طاقتي، فلا أخشى إظهار ضعفي أمام أحد ما دمت لن ألتقيه مُجددًا.

إلا أن يومًا بعد آخر صار لدى كل منا قطعة ثمينة من الكَنز الذي تُخفيه كل واحدة منا عن العالم، كَنز رُبما يبدو في باطنه وجعًا، لكنه في حقيقته نور ومصدر قوة، نستكين إليه جميعًا متى استشعرنا الهزيمة أو تثاقلت علينا الأيام. هكذا غزلنا معًا نسيجًا يجمع حكايات نعلم أنها ستظل طويلاً تدفئنا من برد الحياة القارس.

اقرأ أيضًا: الجميلات هن الكاتبات

النساء هنّ المُحاربات

في عالمنا نحن النساء الشجاعات الناجيات الحقيقيات لا شيء بلا ثمن، نُعافر في اليوم ألف مرة منذ الميلاد، للحصول على أبسط حقوقنا وأكثرها حميمية. نعافر مع العائلة، الزوج، الأبناء، زملاء العمل، سائقي الميكروباصات، البوابين، الأطباء، وحتى المارة في الطُرقات.. وغيرهم الكثير والكثير.

إذ تُجبرنا الحياة على اقتناص حقوقنا بأنفسنا، فنحن لم نولد بقائمة من ذهب لحقوقنا التي منحها لنا المُجتمع دون مقابل، كل حق وكل امتياز بذلنا لأجله الجهد والوقت، وأحيانًا العلاقات والأحبة للحصول عليه، كما يليق بمُحاربات يخُضن حربًا لا يعلم عنها الذكور شيئًا، مهما بلغت قدرتهم على الاستيعاب.

لكل ما سبق، المجد كل المجد للنساء والفتيات اللاتي تجتهد وتسعى لجعل العالم مكانًا أفضل لغيرهنَ وأكثر صلاحًا للعَيش. تلك النسوة اللاتي تزرع الكون كل صباح أحلامًا ملونة، على أمل أن تطرح بذورها أملاً وفُرصًا للمغلوبات على أمرهن، عساهنّ يومًا ما يتمالكن أنفسهن ويجرؤن على الوقوف بوجه الأيام، فينضممن إلى صفوف الواعيات.

المقالة السابقةأحب المشاعر السلبية
المقالة القادمةاسمي مي وأعاني إدمان التسوق
امرأة ثلاثينية متقلبة المزاج، أعشق الرقص على السطور كتابةً، أُحب الفن بمختلف أنواعه وأعيش عليه. والآن كبرت وصار عليّ أن ألعب في الحياة عشرات الأدوار طوال الوقت، لأستيقظ كل صباح أُعافر حتى أستطيع أن أُحاكي بهلوانات السيرك فأرمي الكُرات المُلونة بالهواء ثم ألتقطها كلها في آنٍ واحد.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا