دروس اتعلمتها من الاكتئاب

2011

المشهد المشهور للفنان عبد المنعم مدبولي لما جسد شخصية الدكتور النفسي في فيلم “مطاردة غرامية”، لما أقنع العيان اللي بيعاني من القصر إنه يردد جملة “أنا مش قصير أوزعة أنا طويل وأهبل”. لكن هل المريض اللي بيحمل المعاناة دي داخل عقله خف بمجرد ترديد مقولة عكس الواقع اللي بيعيشه، أو تعامل مع الموضوع بشكل أفضل؟ ده بقى اللي نفسي أحكي فيه. إزاي نتعامل لو اتشخصت كمريض الاكتئاب.

لما عرفت إني مريضة اكتئاب حاد

في 2015 بعد وفاة والدي اتشخصت إني مريضة اكتئاب حاد. روحت لدكاترة وحاولت كتير أتعامل مع الموضوع بالإيجاب والسلب، وكان دايمًا جوايا خزي إني مش عارفة أتعامل مع اكتئابي، وإني فاشلة في السيطرة على نفسي، خصوصًا عند اتحاد وقت الاكتئاب بفوران الهرمونات الشهرية (البيريود).

لغاية ما في 2017 رُحت لدكتور مختلف عن اللي كنت بتابع معاهم، وقالي لأول مرة إني كنت طفلة مكتئبة نتيجة لوفاة أمي في سن صغيرة، ولأني وقتها فقدت أهم عنصر للأمان وإني أعاني من الهجر والترك. طبعًا مكانش سهل عليَّ آخد الطوبة دي في وشي، خصوصًا إن الدكتور بيصارحني إني مُعرضة للاكتئاب تاني في الأحداث الكبيرة المؤلمة، حتى بعد ما أخف. وبعد معافرة 4 سنين مع الاكتئاب أقدر أقول إني اتعلمت شوية دروس بحاول أجتهد فيها.

دروس اتعلمتها من الاكتئاب

الاكتئاب ضيف جديد

اللي بيحصل مع الاكتئاب إنه ضيف جديد قرر ييجي يشاركك في غُرف عقلك وقلبك، وأنت أول مرة تعيش معاه، هتعيش إزاي؟!

اكتشفت إنه زيه زي أول يوم جامعة أو أول مرة أم أو أول مرة تركب طيارة، أول مرة تحرش، أول مرة تعدي الشارع لوحدك.. وهكذا، لكن طبعًا مع فارق الخبرات، وسننا اللي بنختبر فيه ده، بس في النهاية هو ظرف أول مرة يعدي عليك. زي مثلاً لما حد رجله تتكسر، هيعمل إيه؟ بيتسند على اللي حواليه شوية، وممكن يمشي بعكاز لوقت، وياخد الدوا اللي يقوي عضمه، وعلاج طبيعي عشان بعد سنين يقدر يجري.

نموذج الإجابة

من الدروس اللي اتعلمتها من الاكتئاب، إن محدش نازل من بطن أمه معاه نموذج الإجابة، إزاي يتعامل صح مع كل مواقف وظروف حياته المختلفة، فمتجلديش نفسك وتحسسيها بالذنب وتضغطي عليها، لمجرد إنك لقيتي نفسك بتتصرفي بطريقة مختلفة عن المُعتاد عليه، أو بقيتي تحبي أو ترفضي حاجات مكونتيش متعودة عليها.

الاكتئاب بيغير فينا

لأنه طبيعي الاكتئاب يغيرك، لأنه مش شوية حزن وهيعدي ولا دمعتين نزلوا وقت الزعل، لأ ده تغير في كيمياء المخ، هرمونات بتسببلنا السعادة بتتفرز أقل، وقصادها هرمونات تاني بتتفرز أكتر بتخلينا نحزن ونتخنق، ويمكن نفكر في الانتحار. وبناءً عليه بتتغير مقاييس سعادتك وإحساسك بالأماكن والناس ومبادرتك نحايتهم بأي شكل، فمتتخضيش لما تلاقي نفسك تخنتي شوية أو شويتين، أو مبقيتيش تحبي تقعدي مع ناس معينة، أو فيه مواضيع مبقيتش تعنيكي.

دي طبيعة الدنيا، زي مثلاً إن شكل الحياة بيتغير بعد الارتباط أو الهجرة أو الأمومة، فيه أولويات بتفرض نفسها علينا، وشكلي وتصرفاتي بيتغيروا، زي لما بنسمع من أمهات وآباء بطلوا أفعال معينة عشان عيالهم ميعملوهاش.


أعمل إيه لو اتشخصت مريض اكتئاب؟

هنا نيجي للسؤال المهم: إيه الأولوية اللي بيفرضها علينا الاكتئاب؟

الإجابة: أنا. لازم أعترف إني أولوية في حياتي، وإني أصاحب نفسي وأسألها: عايزة تاكلي إيه النهارده؟ حابة الخروجة دي أو لأ؟ ومجيش على نفسي وأستنى الناس تصقفلي، محدش هيصقفلك، بالعكس، يمكن كمان يشوفوا إنك مقصرة في حقهم، بس أرجع وأقول الاكتئاب علمني أحط حدود ليّ وللي قدامي، عشان أقدر أريحني، لأني مهمة وأولوية.

مش زي الأول

بعد ما بقيت مكتئبة وصرحت بده أكتر من مرة، ناس كتير حكت معايا، وكان دايمًا الحوار بينتهي بإنه مش عارف يرجع زي الأول. بس أنا بيفضل جوايا سؤال: ليه أرجع زي الأول أصلاً؟ ليه مبصش على الانتصارت الصغيرة اللي أكيد حصلت معايا في نص الرحلة، زي إني بقيت بعرفني، وبحبني أكتر؟ ليه أرجع لما ممكن أقبل الوضع الجديد، وأشوف مميزاته وأتعامل معاه، أقبل ضعفي وجهلي، وإني إنسانة بغلط وبتعلم، بتعلم إزاي أعاملني وأعامل اللي حواليا، وأكون حقيقية معايا، وإن تفكيري الكتير في دوافعي واتجاهاتي وأنا بعمل أي حاجة بيشيل الزيف وأي شوائب نفسية.

الألم بيخليني أكون حقيقية مع نفسي، وكمان أحس باللي قدامي. أوقات كتير بيكون جوايا مشاعر امتنان للألم، لأنه بينقى زي الدهب في النار، الشوايب كلها بتنزل وتبقى إنت مع ذاتك في المواجهة.

شوكولاتة وجنس

لما بدأت أروح لدكاترة نفسيين كانوا يفضلوا يقولوا العبي رياضة، اسمعي مزيكا، ارسمي، لوني، اكتبي أكتر حاجتين إجابيين في يومك… إلخ. في الأول كنت بتخض، وكان بيرن في ودني سؤال: هو ده اللي هيخففني من الاكتئاب ويشفي حزني على أبويا؟!

الإجابة لأ طبعًا. لكن وجود فعل واحد أو اتنين بشكل أسبوعي أو يومي في حياتك هيغير طريقة تفكيرك وتعاملك مع الأمور. العلم أثبت إن خلايا المخ بتتفاعل بشكل قوي مع المزيكا والألوان، وكمان أثبت إن ممارسة الرياضة لمدة ساعة في اليوم هو بمثابة ممارسة الجنس يوميًا أو أكل شوكولاتة.

حبي نفسك

من الآخر الموضوع كلة باكيدج، شنطة على بعضها، الحل والعلاج للتعامل مع الاكتئاب مش الدكاترة وبس ولا الدوا وبس، لكن جميع ما سبق ذكره، وأهمهم إنك تحبي نفسك، وتشوفيها وتهتمي بيها، عشان تعرفي إيه الوضع المناسب ليكي في كل المجالات، من أول تغيير شكل الأوضة، للشغل، للجواز، للسفر.

المقالة السابقةهل تناولتِ حلوى المارشيميلو يا عزيزتي؟
المقالة القادمةقصة فيلم الفيل الأزرق 2 من وجهة نظر الطب النفسي

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا