ما هي متلازمة الكوخ هل تعتبر خطيرة؟

1346

في الأيام السابقة طالعني منشور يتحدث عن متلازمة الكوخ. لم أقرأ المنشور لكني ابتسمت جدًا وأنا أقول “أحب يبقى عندي كوخ”. فكرت في مواصفات كوخي: بعيدًا عن الناس، ربما فوق جبل. هادئ تمامًا. الأثاث به قليل. به قطة ونباتات كثيرة. يحتوي على كتبي المفضلة وأسطوانات الموسيقى التي أحبها. بعض صوري وتذكاراتي.

هل يختلف هذا عن بيتي؟

الحقيقة أنه لا يختلف في شيء، سوى أن بيتي لا يقع فوق جبل. وأنه شقة عادية في دور أرضي. وأن متلازمة الكوخ لا تعني أبدًا بالضرورة أن أعيش بكوخ.

عن العزل الصحي وصعوبة التعامل مع العالم الخارجي

يعيش العالم منذ ما يقارب ستة أشهر في الجائحة. جائحة الكورونا التي جاءت من الصين لتقلب أمان الكوكب رأسًا على عقب. توتر الجميع وارتعب. دول كاملة أمرت بإغلاق البيوت على ساكنيها وصارت شوارعها ملاعب للأشباح. محال فرغت تمامًا من محتوياتها. وبشر اختفوا في بيوتهم، والذي جازف منهم وترك المنزل اختفى خلف أقنعة وفقازات وملابس تحميه من أنفاس الآخرين.

أنا الأخرى أغلقت بابي وتحصنت خلفه. لا أزور ولا أزار. لا أخرج ولا أقابل حبيبًا أو قريبًا أو غريبًا. أجبرت أمي وإخوتي على الأمر، فثار السؤال الأهم: “أومال مين هيجيب لنا حاجات البيت؟!”. بالطبع كنت أنا من وقع عليها الاختيار، لأني الأكثر دراية بتجهيزات الأمان خارج المنزل. طلبت “أونلاين” كميات كبيرة من الكمامات والكحول ومعقم الأيدي والقفازات البلاستيكية. وجلست أنتظر مشاويري التي كنت أشعر بثقلها على قلبي.

كل مرة كنت أخرج فيها لسوق الخضار أجد مشقة في الاستعدادات، حيث كنت أضع إجراءات الحماية كاملة. كمامتي على وجهي، قفازاتي البلاستيكية في يدي أغيرها بعد كل عملية شراء، مطهر اليدين قبل لبس القفاز النظيف، زجاجة الكحول لرش النقود قبل وضعها في حافظتي.
كان كل هذا يرهقني ويقودني للجنون.

يومًا بعد يوم كان الأمر يزداد صعوبة. كنت أعاني في التعامل مع البائعين والبضائع في المحال. وحتى إذا قررت شراء طلباتي عبر الهاتف أو عبر أي موقع من المواقع المخصصة للتسوق كنت أعاني. كانت تأكلني الأفكار والهواجس. كيف أتعامل مع عمال التوصيل؟ كيف أعقم المشتروات قبل دخول المنزل؟ من يتعامل مع كل هذا؟ ومن يبتعد تمامًا عن هذه العملية؟ كان كل هذا يسبب لي قلقًا وتوترًا لا قبل لي بمواجهته. كرهت التعامل مع أي شخص من خارج المنزل. وكرهت الخروج وتخوفت منه. شعرت بالأمان في المنزل والراحة، كأنها قوقعتي التي ما عدت أريد مفارقتها، أو كوخي الذي أشعر فيه بالأمان.

عن متلازمة الكوخ والكباري الجديدة والخوف من الخروج للعالم

تتنوع الأعراض ما بين الخمول، والحزن، والاكتئاب، صعوبة التركيز، سرعة الانفعال والعصبية، القلق المستمر، اضطرابات النوم مثل الشعور بالأرق أو صعوبة الاستيقاظ من النوم، الرغبة في الحصول على القيلولة بصورة متكررة، زيادة الرغبة في تناول الطعام. واليأس.

عادت إلى ذهني جملة “متلازمة الكوخ”. أعدت القراءة عنها، فوجدت أنها تعني اضطرابًا نفسيًا ينتج عن العزلة الاجتماعية، ويواجه المصابون به صعوبة في الخروج من المنزل، بعد انقضاء السبب وراء المكوث فيه لفترة طويلة، ولا يستطيعون الانخراط مرة أخرى في المجتمع.

ولكنني يجب ألا أبقى في كوخي للأبد. عليَّ أن أخرج لأقضي حوائج بيتي، عليَّ أن أخرج لعملي، فقد رفعت الدولة القيود على التجول والخروج وأعادت المطاعم والمقاهي -التي يرتبط بها عملي بشكل أساسي- للعمل. كان الأمر يزداد صعوبة بمقابلة الناس. الناس لا تعترف بالجائحة. ربما لا يسخرون من شكلي بالكمامة لكنهم يؤكدون أن كل شيء انتهى. يعيشون حياتهم بشكل طبيعي وكأنه لا يوجد هناك قاتل غير منظور في الأجواء.

أما رعبي الحقيقي فكان من منظر الشوارع. أربعة أشهر تقريبًا لم أغادر فيها منزلي، سوى لمرات قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة. الآن أخرج لأجد أن ملامح الشوارع التي اعتدت عليها قد تغيرت بشكل أساسي. يا الله! متى تم بناء كل هذه الكباري؟! متى وكيف تغيرت المدينة لهذه الدرجة؟!

أذهب لعملي في مدينة نصر، فجأة أجد السائق يصعد كوبريًا لم أره من قبل في طريق أمر به للمرة الأولى. أهتف به أين نحن؟! فيضحك ويحكي عن الكباري الجديدة والطرق الجديدة والشوارع التي اختلفت مساراتها. يسهب في الحديث حتى تفقد كلماته معانيها. فأعلق عيني بالطريق وأفشل في العثور علي أي شيء اعتدته. أشعر أني أختنق، أريد هواءً، أفتح النافذة وأعب الهواء بجنون. وأشعر أنني أريد العودة إلى بيتي. إلى كوخي المريح. أنا لا أريد هذا العالم.

عن ليالي العزل الحزينة التي لا تنتهي

في بداية الجائحة وفترة العزل الصحي دشنت “هاشتاج” على فيسبوك بعنوان “ليالي العزل الحزينة”. عبره كان يمكنني الوصول لكل الكتابات والرسومات والأنشطة التي كنت أقضي في ممارستها ليالي العزل الصحي. كانت الليالي طويلة والوقت لا ينتهي، وحزن غامض يغلف كل هذا ويترسب في القلب.

الآن انتهى كل شيء كما يقولون. صاروا يتعاملون مع الجائحة وكأنها شيء عادي. دول كبرى فتحت مطاراتها لحركة السياحة. وانتهى الحظر على حركة المواطنين. حتى المقاهي والمطاعم عادت للعمل. فلماذا رغم كل هذا لا تنتهى ليالي العزل الحزينة؟! لماذا ما زلت أقضي الساعات الطويلة أقوم بنفس الأنشطة وأشعر بنفس المشاعر وأستخدم نفس الـ”هاشتاج”؟! متى سوف أشعر بانتهاء كل هذا؟! متى سينتهي التوتر والشعور الدائم بالخطر؟! متى سينتهي قلقي وأخرج من مزاج الجائحة وتنتهي ليالي عزلي الحزينة؟!

عن أعراض متلازمة الكوخ وما يستدعي التدخل الطبي

هل ما أعاني منه هو بالفعل متلازمة الكوخ؟ هل تتشابه أعراضها مع ما أمر به؟ سألت نفسي وبحثت مرة أخرى عن الأعراض، فوجدتها تتراوح بين العادي الذي يمكن التعايش معه والعنيف الذي يحتاج تدخلاً طبيًا، حيث تتنوع الأعراض ما بين الخمول، والحزن، والاكتئاب، صعوبة التركيز، سرعة الانفعال والعصبية، القلق المستمر، اضطرابات النوم مثل الشعور بالأرق أو صعوبة الاستيقاظ من النوم، الرغبة في الحصول على القيلولة بصورة متكررة، زيادة الرغبة في تناول الطعام. واليأس.

في واقع الأمر لا يعاني جميع المصابين بنفس الأعراض، والتي قد تتشابه مع أعراض لأمراض نفسية أخرى. لذا الفيصل هنا هو الطبيب النفسي الذي يستطيع تحديد المرض وطرق العلاج. واللجوء للطب النفسي في هذه الحالة ليس ترفًا ولا رفاهية. وإنما ضرورة ملحة يمليها الوضع العام القاسي الذي يعاني منه العالم حاليًا.

عن محاولات التعافي

أجلس في بيتي ساعات طويلة أحدق في الفراغ. أحصي نجومًا لا يراها أحد غيري معلقة بسقف الحجرة. أفكر في نهاية كل هذا. أفكر في نهاية القلق والتوتر، والرغبة الدائمة في الاختباء التي صارت ملازمة لكل ما أقوم به. أفتح التلفاز وأقلب بلا هدف بين القنوات المحلية والأجنبية، فأجد العالم كله يبذل جهوده للتعافي. العالم كله عانى كما عانيت وتألم كما تألمت. والكل يحاول التعافي كما عليَّ أن أفعل. وفي لحظة غير متوقعة بالمرة شهدت على الشاشة إعادة افتتاح ديزني لاند، مع مراعاة قواعد التباعد الاجتماعي. يبدو افتتاح ديزني وباقي المنتزهات الترفيهيية حدثًا عاديًا، لكنه أعاد لي أملاً وإشراقة شعرتها روحي.

أدركت أن عليَّ أن أهدأ وأن أخفف من حدة مشاعري، وعليَّ التعامل مع نوبات قلقي بهدوء وحكمة. فما حدث قد حدث، ولا يجب أن تتوقف حياتي لأن هناك حائجة اجتاحت العالم. فالعالم سبق وأن مَر بجوائح أقسى وأصعب وتعافى منها. ومن المؤكد أننا قادرون على التعافي هذه المرة أيضًا.

وعلى هامش القلق: عليَّ أن أنزل في جولة على القدمين في شوارع القاهرة، لأستوعب متى نبتت في مدينتي الطيبة كل هذا القدر من الكباري والطرق.

المقالة السابقةاضطراب القلق عند الأطفال: 8 طرق تساعد طفلك على تجاوزه
المقالة القادمةميس سعاد التي بداخلي

1 تعليق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا