تلك الأشياء التي نعرفها تؤلمنا بقدر أقل من تلك التي تصدمنا في حين غفلة.. حاولت أن أضع تعريفًا لتلك الأشياء التي تؤلم.. وذاك اجتهادي:
البكاء
هو ذاك الفراغ الذي يسببه البعد عن كل ما نحب ولا نستطيع أن نملؤه سوى بتلك القطرات الدافئة.. فبقدر الاشتياق نبكي، وبقدر الألم نبكي، وبقدر الفرح وقدرة العقل على التصديق نبكي.. في ظني. “نحن نبكي لنسد الفراغ”.
الألم
هو ذلك الشعور الذي يعتصرنا من الداخل، ولا يمكننا أن نمسكه بين أيدينا أو نحاصره أو نردعه بمُسكّن أو طبيب يكتب لنا وصفته. لا شيء على الإطلاق يداوي ذلك الفراغ الذي يخلّفه المحبون بعد زوالهم. الألم هو ذلك الشيطان الذي يتربع على قلوبنا ويبدأ عملية التشويه. تشويه كل ما هو رائع حولنا وكنا نحسبه جزءًا من نمو شجرة الحب في هذا العالم.. ولكن القسوة التي يخلّفها الألم نتيجة الفقد هي دائمًا الأقوى، فإما أن نستسلم لتشويه كل ما حولنا أو تقسو قلوبنا وأنفسنا لتتغلب على الألم، ويظهر أسوأ ما فينا.
الحب
لم أستطع تعريفه.. ولكني تخيّلت كلمات ربما سأستطرد فيها لمن أحب. لو كان قلبك يسمع نبضاني، لعلمت أني لك في الحياة وفي الممات، واستشعرت الهوى في جنباتي، جرب أن تسمع آهاتي.. جرب أن تفهم حكاية تحكيها لك نهداتي، أتحداك إن وجدت نغمة لها وقع نغماتي، حين أضع لك العطر وأمشط شعري بفرشاتي، وأعلم أنك حين تراني ستسهر الليل تعدد حسناتي، تنظر إليّ والشوق يكوي، فأموت من تلك النظرات، وحين يعوي الجو رعدًا وبرقًا.. يبقى مضجعي دافئ بالسكنات.
التمرد
هو تلك الفكرة التي تنطلق من كل شيء لا منطقي.هو الروح التي تتغذى على النقد.. وتغربل وتنقّح، وفي طريقها تضل كثيرًا مقصدها. وقليلاً ما تصل لمرقدها. الروح المتمردة.. هي تلك التي لا كعبة لها، تطوف وحدها وتقضي سنوات التيه بقسوتها.. وحين تمل تخلق كعبتها الخاصة وتطوف حولها.
الانتظار
هو ذلك المجهول الذي يقبع بداخلنا، يحتفي بمراسم جنازة لم تبدأ بعد.. تعزف فيها ألحان الموت.
الخيانة
الخونة يدخلون حياتنا ثم يتلاشون رويدًا رويدًا.. في البداية يدخلون ليزلزلوا كياننا، ويكتال الميزان رصيدًا في الذاكرة يُخلّد، وكأننا أطفال نتعلم الأبجدية لأول مرة ،قبل أن نحفظها عن ظهر قلب، وفي النهاية سراب ينتهي عندما نصل إلى ذروة الاحتياج فلا نجدهم.. هنا فقط يدخلون ويخرجون من حياتنا كأشباح لا نراهم ولا حتى نشعر بهم.. ولكننا نشكرهم لأنهم علّمونا كيف نعيش دونهم.
الغموض
عندما نولد نبكي رغم أنّا لا نفهم الألم، وحين نكبر ونفهم الألم، نمنع أنفسنا عن البكاء. في الحياة أشياء كثيرة عندما نفهمها نتوقف عن حبها.. فنحن نحب دائمًا ما لا نفهمه. في الحقيقة تجربتي مع تعريف المشاعر باءت بالفشل.. حين أجرب الحالة لا أقف لتعريفها، لا أنتبه لها، يسيطر العجز على الروح ويمسك اللسان وتنهار الكلمات.. ولكني أعود من جديد لأضع نفس هذا التعريف عن العجز: هو دائرة.. حلقة مفرغة لا تنتهي.. أخرج منها لأعود إليها مرة أخرى، فأضع تعريفًا للارتباك.. وهكذا.