بين العرف والهوى تموت الأنا

395

غربة

تتحدثين عن ندوة أو مؤتمر أو صالون ثقافي، ويتحدثون هم عن الزواج والإنجاب والمطبخ. تعودي إلى البيت محمّلة بأفكار جديدة ككوب ممتلئ وتشعرين أنك بحاجة إلى التدبر والتنقيح، فيعملون على إفراغ محتوى زجاجاتهم في كوبك، فينسكب كل ما بداخله ويختلط الحابل بالنابل. يحدث هذا في كل مرة تحاولي أن تتحدثي فيها عن المجتمع الذي يجهلونه ولا يعرفون عنه شيئًا، سوى أنه مجتمع فاسد يضر بسمعتك كفتاة بسبب الاختلاط، ويقلل من تركيزك في الدراسة.. ولا أعلم أي ثقافة تلك التي تقلل من التركيز والإبداع!

الفجوة متسعة مهما حاولت ضمّها ستتمزق من جهة أخرى، عندما يلاحقونك بتلك الفكرة الضرورية الملحّة “بالزواج” تكتسبين ذلك الشعور الوهمي بعدم الانتماء إلى البيت، وكأن أيامك به معدودة، إصرارهم على إخراجك من البيت لن يدفعك كي تستقلين أول قطار يأتي (عريس)، بل يزيد الفجوة بينك وبين أهل البيت، وكأن مكوثك معهم مؤقت، أو كمغترب يقطن فندقًا. وأن تعيش في بيتك مغتربًا والله أقسى من أن تعيش مغتربًا في بلاد ليست بلادك.

وحدة 

حين يشعر الإنسان بالغربة يحاول أن يجد لنفسه شيئا ينتمي إليه.. وعادة ما يكون إما بانتمائه إلى دائرة أصدقائه أو جماعة أدبية أو دينية أو كيان آخر بعيدًا عن أسرته، أو يغلق باب غرفته على نفسه وتبدأ كارثة الوحدة، فتصبح غرفته هي مملكته الخاصة التي يجد فيها الراحة والأمان، يستغنى عن باقي أركان المنزل ولا يخرج إلا لضرورة ملحّة، قد يحتك في هذه اللحظة بأحد أفراد المنزل، فيلقي عليهم التحية، ويقبع في غرفته مرة أخرى.. كأنهم رفاق في السكن، لا أقل ولا أكثر.

سلبية

حين تعجز عن الكلام، وتشعر بمرارة الكلمة في حلقك، حين تنظر إلى شخص أمامك يريد أن يوصّل لك رسالة أو يتهمك بشيء ولا تكلف نفسك عناء الرد، سواء ما قيل كان حقًا أم باطلاً. يتحول الصراخ والجعجعة إلى محاولة فاشلة لإفساد يومك من وجهة نظرك، وسرعان ما تبحث عن الحل السريع لتنسى ذاك العويل قبل أن يأخذ حيزًا من تفكيرك، فتلجأ إلى الاستحمام وإطالة المدة قدر المستطاع وكأنك تمحي من ذاكرتك ملامح الشخص الذي كان يصرخ منذ قليل، أو قد تلجأ إلى الطعام للتنفيس عن غضبك (إن كان من محبي الطعام) دون أن يلاحظك أحد، وتبدو عليك علامات البرود والتبلد مما يستفز الشخص الثائر أمامك أكثر.

تمر عليك المحن والمصائب أو حتى الأفراح مرور الكرام، فلا تحزن ولا تفرح، أو بالأصح لا تظهر عليك علامات الحزن أو الفرح، تشبه إنسانًا آليًا، تستقبل الخبر المحزن فتتألم ولكنك لا تستطيع البكاء وتنحشر الدموع في جفنك محاولاً دفعها فلا تخرج. وكذلك عندما تتلقى خبرًا مفرحًا، ربما من باب المجاملة تبتسم ابتسامة بلهاء لا معنى لها، فلا تشعر بذلك الحماس الذي يلتهم القلب ويشعل فيه الضياء، لا تقفز أو تصرخ أو تضحك كالمجنون.

السلبية تنسيك كيف تكون طفلاً حين تفرح وكيف تكون طفلاً حين تحزن، السلبية تعلمك كيف تكون صنمًا. أذكر في كل عيد دعاء الناس المعهود “إن شاء الله السنة الجاية تكوني في بيتك” وكأنه النجاح الأكبر الذي ينبغي أن أحققه، مع العلم أني في نفس التوقيت كنت قد اجتزت امتحانات الماجستير بتقدير جيد جدًا، ولم يبارك لي أحد.

لماذا يقتلون فينا الحلم؟!

عزيزتي.. هذا يحدث عندما تختلف اهتماماتك عن اهتمامات المجتمع، وتفشلين في إقناعهم بأهمية ما تقومين به، ويرفضون أن يتركوك وشأنك.
المقالة السابقةطريقك إلى حفلة كريسماس ناجحة
المقالة القادمةالكوكيز الملونة للحفلات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا