نوبات القلق المرضي: كيف واجهتها في زمن كورونا

1016

ماذا لو أن نوبات القلق والهلع التي تحدث لي تترك ثقوبًا على الجدران من حولي؟ لو أمسكت مسمارًا وثقبت ثقبًا صغيرًا كلما زارتني نوبة من نوبات القلق، ستتحول الحجرة والمنزل بالكامل إلى مصفاة كبيرة بثقوب لا تعد ولا تحصى. من لم يجرب القلق المرضي لن يستطيع أبدًا إدراك كم هي مخيفة ومدمرة تلك المشاعر. في تلك اللحظات أكون وحيدة تمامًا في تلك الهوة. ببساطة لم يدعمني أحد في لحظات القلق المرضي، غالبًا سيتجاهل الآخرون الأمر. أمر الشكوى من القلق وأمر الأعراض التي يعتقدون أنني يمكنني أن أتخلص منها ببساطة أو تجاوزها أو تجاهلها.

أنا لا أختار القلق، وهو عندما يتحول إلى قلق مرضي لا يشبه القلق العادي الذي جربه الجميع في لحظة ما من حياتهم. أكبر آمالي أن لا يستنكر عليَّ البعض هذه المشاعر أو يسخر منها، لأنها خارج التحكم والسيطرة، بل وتتغول بداخلي في كل لحظة تمر. نقطة الماء الصغيرة لا تتوقف عن التساقط، حتى تتحول إلى محيط كبير من القلق، يلتهم كل الأفكار المضادة للقلق.

مثيرات القلق وشكل النوبة

القلق المرضي ليس له منطق، ومهما تعددت واختلفت الطرق التي أحاول إزاحته بها، لا يتزحزح، بل يتكاثر وينتج أفكارًا أكثر رعبًا وقلقًا، حتى مع الأفكار اليومية العادية، خصوصًا عندما تتزامن نوبات القلق المرضي مع نوبات الاكتئاب، في ذلك الوقت أصبح مثل عجينة لينة يدهسها القلق والخوف، وتصبح المشكلات اليومية البسيطة سببًا لفقدان الرغبة في الحياة.

جرس الباب يصبح منبهًا للخوف، رنين الهاتف، تنبيهات الرسائل النصية، خروج ابنتي إلى الشارع، نومها لوقت أكثر من المعتاد، الطرق على الباب، صياح شخص ما في الشارع، مقابلة الأصدقاء، ركوب المواصلات العامة. كل حدث صغير وبسيط يضخمه القلق ويحوله إلى حدث مرعب ومؤلم، ويحوله إلى هاجس للمرض أو الموت أو الفقد، وفي غضون لحظات تتحول نوبة القلق إلى نوبة هلع لا تتوقف، مثل دوامة عميقة من الماء تبتلعني دون أن أقاومها، بل أساعدها أكثر على ابتلاعي.

في اللحظة التي يتحول فيها القلق إلى هلع يتلاشى وجودي العادي تمامًا، وأتحول إلى كتلة من الخوف. يصبح سبب خوفي مهما بدا ضئيلاً هو سبب الهلاك والخطر الوحيد، أشعر أن عالمي بالكامل يتداعى، يتحول قلبي إلى مضخة للخوف لا تتوقف عن الخفقان. أغرق بالكامل في بحر من العرق والبرودة، التي تتزامن مع فقدان القدرة على السيطرة، والارتعاش الذي لا يتوقف. يضيق التنفس تمامًا ويتبخر الهواء من حولي. أشعر بألم لا يتوقف في بطني مع شعور مستمر بالغثيان، الذي تصاحبه دوخة شديدة ودوار، مع شعور معقد بالانفصال عن الواقع، قد يصل إلى حد فقدان الوعي في لحظة معينة.

كورونا والقلق

بعد ظهور فيروس كورونا أصبح هناك سبب منطقي للقلق. وباء يجتاح العالم بالكامل، يصبح أحيانًا مميتًا لكبار السن وأصحاب الأمراض المناعية. كانت كل جمل الطمأنة، هي جمل تثير القلق بالنسبة لي، لأنني من أصحاب الأمراض المناعية. ترسخت في عقلي كل الأفكار السوداء المتعلقة بالمرض والموت والخوف على بناتي. لم تفلح كل محاولات الأصدقاء المقربين، أو محاولاتي الواهية في طمأنتني. قرأت تاريخ الأوبئة في العالم من الطاعون إلى الكوليرا إلى الأنفلونزا الإسبانية. كل كلمة قرأتها كنت أطابقها على الأحداث الحالية وأتخيل متى ستحدث لنا.

بدأت في الحفاظ على كل الموارد، وكأن العالم سينتهي. بالرغم أنني لا أحتفظ بالكراكيب أو أي شيء لا أحتاجه فإنني تحولت إلى النقيض في ذلك الوقت. كل شيء مهما بدا صغيرًا، احتفظت به خوفًا من أن يتوقف العالم عن الإنتاج، أو نعود إلى الوراء، ويصبح كل شيء مهما كان تافهًا مُهمًا بسبب ندرته.

احتفظت بأفلام وأغانٍ وكتب لا تعد على أجهزة الكمبيوتر، خوفًا من أن يتوقف الإنترنت في العالم. كنت أفعل كل هذه الأشياء بدافع القلق والخوف ابتدا من المستقبل المجهول. كنت كأنني في مهمة ميدانية لإنقاذ أسرتي الصغيرة. بالطبع يمكن تصور شكل الاحتياطات التي كنت أتخذها للوقاية من العدوى.

شهور طويلة من الخوف. الخوف هنا له سبب يمكن أن يقلب حياة البشر الطبيعيين، ماذا يمكن أن يفعل في حياة شخص مثلي يخاف أصلاً من اللا شيء. بكاء متواصل لا يتوقف لأسابيع حتى أثناء النوم، يصاحبه فقدان الرغبة في الحياة، وصعوبة في النهوض من السرير، مع نوبات متكررة من الهلع والقلق التي قضت على صحتي النفسية والجسدية، مع تحذيرات مستمرة من أن الخوف يهزم المناعة التي أحتاجها في ذلك الوقت أكثر من أي وقت مضى، لكن كيف تقنع شخصًا مريضًا بالخوف، بأسباب منطقية؟

تمارين التنفس وتمارين اليقظة

بعد أن أنهكت تمامًا من القلق والخوف والتوقعات الرهيبة، خصوصًا أن الجميع أصبح مثقلاً بالخوف، فلا أحد يمكنه أن يطمئن أحدًا. الجميع في نفس الخندق، بانتظار نفس المصير المجهول، لذلك لم يتبق من أنتظر منه الدعم، سوى نفسي المنهكة أصلاً. جربت كل الاقتراحات ولم يخرجني من تلك الهوة سوى التنفس وتمارين اليقظة. أن أصبح أكثر وعيًا باللحظة الحالية، أتنفس بعمق ليصل الهواء إلى عمق رئتي. أتنفس فعلاً وأعرف معنى الهواء. اكتشفت في ذلك الوقت أنني غالبًا أتنفس من أنفي فقط، فيخرج الهواء ويدخل دون أن يصل الأكسجين لرئتي أصلاً. أصبحت أكثر هدوءًا، وجدت حلاً لنوبات القلق والخوف، أصبحت أذكر نفسي في كل لحظة “تنفسي بعمق وراقبي حواسك”.

لا أقول إن الأمر سحري وإن كل الخوف والقلق تبخر تمامًا، لكني اكتشفت طريقة تساعدني على السيطرة والتحكم ولو قليلاً على مشاعر الخوف التي تتلبسني فجأة، ويجعلها تقل تدريجيًا.

أبسط طريقة للقيام بالتنفس اليقظ هي تركيز انتباهك على أنفاسك، الشهيق والزفير. يمكنك القيام بذلك أثناء الوقوف، لكن من الأفضل الجلوس أو الاستلقاء في وضع مريح. قد تكون العينان مفتوحتين أو مغمضتين، ولكن ربما يساعد غلق العين على التركيز ومنع تشتت الانتباه بالأشياء المحيطة، كما أن تخصيص وقت يومي لممارسة التنفس اليقظ تجعله يدخل ضمن الروتين اليومي، كما يساعد على استدعائه عند المواقف الصعبة التي يزيد فيها القلق والتوتر.

كيف نمارس التنفس الواعي؟

لعمل تمارين التنفس اتبعي الخطوات التالية:

1. ابحثي عن وضع مريح. يمكنك الجلوس على كرسي أو على وسادة على الأرض. حافظي على ظهرك منتصبًا، مع وضع مريح للأيدي، مع فك تشنجات الفك وترك الفم واللسان في وضع مريح.

2. حاولي الاسترخاء، مع ملاحظة شكل جسمك ووزنه، ومراقبة الأحاسيس التي يمر بها الجسم، وعلاقته بالأرض أو الكرسي. راقبي أي مناطق مشدودة ومتوترة واسمحي لها بالاسترخاء، مع التنفس.

3. راقبي مسارات الهواء داخل جسدك، مع التنفس بشكل طبيعي. قد يكون الهواء في منطقة الصدر، أو منطقة البطن أو الحلق أو الأنف. راقبي الهواء نفسًا بعد آخر.

4. أثناء عملية التنفس قد يبدأ العقل في الشرود، والتفكير في أشياء أخرى. يحدث ذلك دائمًا في البداية، أعيدي توجيه انتباهك برفق إلى عملية التنفس.

5. ابقي في هذا الوضع لمدة خمس إلى سبع دقائق. لاحظي أنفاسك في صمت. من وقت لآخر، يشرد عقلك، ثم تعودين من جديد لمراقبة أنفاسك.

6. بعد بضع دقائق، لاحظي مرة أخرى جسدك كله، واسمحي لنفسك بالاسترخاء بشكل أعمق، ثم قدمي لنفسك بعض التقدير والحب للقيام بهذه الممارسة اليوم.

اقرأ أيضًا: ما يسببه لك التفكير الزائد.. وكيف تتجنب الإصابة بالقلق

المقالة السابقةقلق كورونا وأزمة البحث عن المعنى في الحياة
المقالة القادمةشائعات وأخبار كاذبة حول كورونا وأثرها على الصحة النفسية

1 تعليق

  1. وصفك آلمني جدا ,,تذكرت تجربتي مع اقرب شخصيه ليا وهي بتمر بنوبات الهلع ديه لنفس السبب
    ممتنه للمقال جدا ولوصفك
    وفعلا تمارين التنفس و اليقظه و الاسترخاء بتفرق الي حد كبير مع وجود داعم ..
    ربنا يرزق الجميع سبل السلام ويحميهم من الامراض

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا