شائعات وأخبار كاذبة حول كورونا وأثرها على الصحة النفسية

1278

يرن المنبه، أستيقظ ولا أغادر الفراش، عيناي معلقتان بالسقف بلا أي حركة، كأنني دمية صغيرة تنتظر لفة ذلك “الزمبلك” الصغير لدفعها للحركة. فى العادة أول خطوة أفعلها هي التقاط هاتفي المحمول، وإلقاء نظرة على ما يجري في العالم، الرد على رسائل الأقارب، وإرسال تقارير العمل. ولكن في الآونة الأخيرة بت أتردد كثيرًا، الحقيقة بت أخاف أن أحمل الهاتف، فقد صار القلق هو ما أحصل عليه، ويجعلني أعيش على صفيح ساخن. تمتلئ الصفحات بالحديث عن كورونا، المخاوف من موجة ثانية، تغير شكل العالم، فقدان وظائف، وفيات بالآلاف، شائعات عن أن كورونا مؤامرة من الصين ضد أمريكا حتى لا تقود العالم، أصدقاء ينعون أقاربهم، آخرون يتحدثون عن حالتهم النفسية السوداء، هكذا سميتها، فليس لها وصف آخر.

تضطرب معدتي، القولون بدأ التهيج، حسنًا لن أستطيع تناول الطعام طوال النهار، وبالتالي سأتناول المزيد من السكريات، النتيجة تدمير تركيزي وقدرتي على الحفاظ على أعصابي هادئة، سأتحول إلى امرأة عصبية بقية اليوم، سيأخذ النصيب الأكبر منها صغيري، سأنام باكية بسبب شعوري بالذنب وعدم الإنجاز، حسنًا لقد انهار يومي تمامًا.

أسترجع كل تلك الذكريات، في لحظات سريعة، قبل أن أنهض من الفراش، وأقرر التقاط هاتفى ومتابعة مهامي اليومية، حتى لو كانت وسائل التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام لا تفعل شيئًا سوى نشر القلق.

كورونا.. شائعات الفيروس الشبح

“عدونا المشترك هو فيروس كورونا، لكن عدونا كذلك هو تفشي المعلومات الخاطئة. للتغلب على الفيروس، نحتاج إلى الترويج للحقائق والعلوم والأمل” – منظمة الصحة العالمية.

فيروس كورونا كالشبح، لا يعرف عنه أحد أي شيء، هكذا كانت بدايته في مصر والعالم منذ نهاية شهر يناير، العلماء والدول كانوا في بداية دراسة مكوناته من أجل إيجاد علاج له، ولم يكن أمام الناس فعل شيء سوى الانتظار والحديث، ثم الحديث والحديث. لكن هذا الحديث كان يتٌرجم إلى أخبار كل ساعة عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، مما فتح باب شائعات ولم يغلقه، وأعلنت منظمة الصحة العالمية جملتها الخالدة على لسان مديرها تيدروس أدهانوم:

“نحن لا نحارب وباءً صحيًا فقط، نحن في حرب مع وباء معلوماتي”.

فيديوهات تبث الرعب عن حالات تواجه الفيروس. أرقام كاذبة عن الإصابات في بعض الدول، أشخاص يكذبون أرقام الوفيات والإصابات التى تعلنها وزارة الصحة، ويؤكدون أنها أعلى بكثير، شائعات حول طرق العلاج، ما أدى إلى نقص الأدوية في الصيدليات. كل ذلك بينما الجميع  غير قادر على الخروج، ممارسة حياتهم اليومية، زيارة الأقارب أو الأصدقاء، أداء وظائفهم، وكانت وسيلتهم الوحيدة للتواصل مع العالم هي وسائل التواصل الاجتماعي التي -للمفارقة- تجعلهم يتناولون القلق والخوف بملعقة.

السوشيال ميديا: شائعات ومعلومات مغلوطة

يقول الدكتور محمود علم الدين، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي السلبي خلال ذروة انتشار كورونا:

وسائل التواصل الاجتماعي خلال ذروة انتشار كورونا كانت تعاني من الانفلات بشكل كبير، وهذا نتاج أن أي شخص يكتب ما يريد، دون وجود تأكيد لصحة ما يُنشر، فالمعلومات المنتشرة لم تكن دقيقة، وبعضها شائعات ، وهذا ساهم في بلبلة كبيرة، وحالة من الرعب والفزع وأحيانًا الاسترخاء واللا مبالاة.

يواصل الدكتور علم الدين الحديث: “لقد غاب عن تلك الوسائل المسؤولية الاجتماعية والمهنية والصحية، ما أدى إلى أضرار جسيمة على المستوى النفسي من حيث نشر القلق. وعلى المستوى الصحي، مثل انتشار الوصفات الصحية بلا مصدر طبي، أو نشر أسماء أدوية لعلاج كورونا، وقد تكون غير مناسبة لأي شخص، بينما منظمة الصحة العالمية أكدت أنها ما زالت في طور البحث عن علاج حقيقي، للأسف كان لتلك الوسائل تأثير غير عقلاني على الناس البسيطة”.

استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في تفريغ المشاعر

خوف وبكاء بدون أسباب لأسابيع متتالية، هو ما كنت أفعله عندما أفتح حسابي على فيسبوك، كان هناك أيام بلا نوم، وأطارده بلا جدوى. لم يكن السبب هو أخبار انتشار الفيروس فقط، وحالات الوفاة الكثيفة التي جعلت صفحتي أشبه بسرداق عزاء، أو تجارب الإصابة بفيروس كورونا، بل كان تلك المشاعر الفياضة التي لجأ البعض للتعبير عنها وتفريغها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل تباعد اجتماعي مفروض على الجميع.

خوف، قلق، شعور بالوحدة، فزع، أسئلة عن جدوى الحياة، الله، شعور بالرهبة من الحبس، ملل من المكوث في المنزل، فقدان القدرة على حساب الزمن، مقارنة بين تفاصيل الحياة قبل وبعد كورونا، حسرة بسبب ضياع الخطط المستقبلية، اكتشاف جديد للأشخاص، وأخيرًا الاكتئاب.

كان ما سبق بعض من المشاعر التي انتشرت عبر مواقع التواصل وأحيانًا البرامج التليفزيونية، كانت تحيط بالجميع، وكل شخص على حسب مقدرته في الصمود أمامها أو الغرق فيها.

الصحة العقلية والنفسية في خطر

“نشر معلومات متكررة بشكل يومي عن الوباء يعرّض المتلقي لضغط نفسي هائل، والانتشار الكثيف للأخبار يؤدي إلى حالة من الهلع الكبير التي تؤثر على الجهاز المناعي للأفراد، وبالتالي تتسبب بحالات أكبر للعدوى، بحسب جامعة كارنيجي ميلون” – شبكة الصحفيين الدوليين.

ما يراه الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي حول أداء وسائل التواصل الاجتماعي: “لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي خلال فترة ذروة انتشار فيروس كورونا مصدرًا للقلق فقط، بل كانت مصدرًا للتشاؤم والإحباط، وتركيزها الأكبر على السلبيات، وهذا نشر الاكتئاب والخوف والقلق، فالبعض كان يتعامل معها على أنها تفريغ للمشاعر، والبعض يتعامل معها على أنها وسيلة لجذب الشهرة، فينشر الأخبار الغريبة والسلبية ويثير الفزع بكثرة حالات الإصابة”.

ولا ينكر الدكتور جمال زيادة نسب الاكتئاب والأمراض النفسية والعصبية بشكل عام مع انتشار أخبار فيروس كورونا: “أمر طبيعي، فالظروف الطارئة تتسبب في نشاط الذكريات السلبية، وساعات الحظر الطويلة والوحدة قد تتسبب في نشاط تلك الأمراض عند المصابين بها أو الذين يعالجون منها”.

دور وسائل الإعلام في مواجهة القلق

أعمل في مجال الصحافة التقليدية، ما يطلق عليه “الإعلام الرصين”، منذ ما يقارب 15 عامًا، وهذا يجعل شهادتي مجروحة بعض الشيء. ولكن خلال تغطية فيروس كورونا في القسم الذي أعمل به وهو “القصص الصحفية الإنسانية”، كان الخط العام هو عدم نشر السلبيات، وكان شعارنا البحث عن نقطة أمل، تتمثل في القصص الإيجابية بشأن مقاومة الفيروس، والتركيز على الجانب النفسي للفيروس ونتائجه، مثل الشعور بالقلق، الاكتئاب وكيفية مواجهتهما، النظر لفترة الحظر بشكل مختلف، واستغلاله بشكل إيجابي، دور الأطباء العظيم.

“لوسائل الإعلام التقليدية مساهمات إيجابية كبيرة في تغطية فيروس كورونا، فالتغطية المكثفة كانت دافعًا للمواطنين إلى مزيد من الانضباط فيما يخص إجراءات الوقاية من الفيروس، ونشر الالتزام في سلوك المواطنين” – كلمات الدكتور محمود علم الدين.

“لا أستطيع أن أصف التغطية الإعلامية المكثفة لفيروس كورونا من جانب الإعلام التقليدي، بأنها مثيرة للقلق، فكان لها دور أساسي في الحد من انتشار الفيروس، فهي تقدم معلومات موثقة دقيقة تساعد على فهم طبيعة الفيروس وخطوات مواجهته، نفسيًا وصحيًا، ولو كانت غير ذلك، كنا واجهنا كارثة صحية في مصر” – كلمات الدكتور جمال فرويز.

نصائح لمواجهة القلق

يقدم الدكتور جمال فرويز عدة نصائح للتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي خلال فترات انتشار الأوبئة، سواء محليًا أو عالميًا، وكذلك مواجهة القلق:

1. عدم قبول أي معلومة إلا إن كانت من مصدر رسمي موثوق، لأن هناك شائعات تؤثر سلبًا في النفسية وهى غير حقيقية من الأساس.

2. قلل التعرض للأخبار السلبية.

3. عدم المساهمة في نشر أي معلومة سلبية على مواقع التواصل أو بين الأصدقاء والأقارب، ليس فقط خوفًا من التبعات القانونية لهذا الفعل إذا كانت المعلومات غير موثقة، ولكن لمشاركة ونشر معلومات سلبية آثارًا سلبية تتخطى الفرد إلى المجتمع نفسه.

4. لا تستسلم للقلق وافعل شيئًا تحبه: مواجهة القلق قد تكون بالتجاهل، أو فعل أنشطة إيجابية محببة للنفس، سواء ممارسة هواية معينة، أو رياضة تساهم في تخفيف التوتر، أو تناول أطعمة جديدة، أو قراءة كتب جديدة، أو الحديث مع أقارب أو أصدقاء عن الأمر.

5. وضع جدول للأنشطة اليومية والالتزام به: عدم الاطلاع على الأخبار، خصوصًا المؤلمة والمخيفة بمجرد الاستيقاظ أو قبل النوم، والتوقف عن الانسياق وراء استرجاع الذكريات المؤلمة.

في النهاية

في فترة ذروة فيروس كورونا شعرت بإحباط عظيم، وأنني على حافة الانهيار، كان عليَّ يوميًا التعامل مع أخبار الفيروس وما تتضمنه من آلام سواء في حكايات الأشخاص المصابة، أو ممن تضرروا من ظهوره على المستوى المادي والعملي، وهم الفئة الأكبر، كان الأمر أشبه بدوران عجلة لا تتوقف، بينما أنا لا أغادر مكاني في غرفتي.

وأمام تلك الجرعة المكثفة من الحزن والألم، كان من الصعب إيقاف عملي، وأن أنسحب لأجلس في غرفتي أبكي، بل كان عليَّ مواصلة عملي، مع كثير من الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام، كان الهدف الأكبر هو تقديم معلومات كافية موثقة عن فيروس مجهول ظهر فجأة من العدم للمواطن العادي، بلا أي مصدر للقوة أو المواجهة سوى أنفسنا وحيواتنا، فعذرًا لو شعرت عزيزي القارئ ببعض القلق، فهذا خطأ لم يكن مقصودًا.

اقرأ أيضًا: وسائل التواصل الاجتماعي: هل أصبحت حياتنا أفضل أم أسوأ؟

المقالة السابقةنوبات القلق المرضي: كيف واجهتها في زمن كورونا
المقالة القادمةألم المحبة
كاتبة وصحفية مصرية

1 تعليق

  1. تتشرف مؤسسة تاج الدين ان تقدم لكم كافة الخدمات القانونية في جميع القضايا والتي تتعلق بمحاكم الاسرة والاحوال الشخصية مع قضايا الطلاق والخلع وقضايا النفقات وقضايا الرؤية والضم وقضايا اثبات الزواج وغيرها …..
    وايضا مختصون في زواج الاجانب وتوثيق عقود الزواج في جميع الجهات المختصة وكمان لو عندك مشكلة في تجديد الاقامة هنحلهالك كل اللي عليك انك تكلمنا علي : 01093950433
    ارضي : 0223630873
    واتساب : 01554295049
    صفحتنا : https://tagelden.blogspot.com/2020/10/blog-post.html

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا