حب بطعم بأريع بنات

607

 

دينا

16/2/2015

 

“ماما.. أنا نفسى في بيبي بنت، مش عايزة ولد.. البنت أحلى صح؟”.

“يا رب خلّي بطن ماما تكبر وحط جواها بيبي بنت.. بنت مش ولد”.

 

*****

الصغيرة ترفع كفيها إلى السماء الواسعة تطلب هدية صغيرة من الله، نتردد أنا ووالدها في اتخاذ قرار بشأنها.

الصغيرة تطلب أختًا قد تمسك بيدها يومًا ما وتعينها على عبور الحياة معًا.

الصغيرة تراني دومًا محاطة بثلاث نجوم لامعات يغدقن عليّ وعليها بضوءٍ لا نهائي ومحبة أزلية.

تأتي لي تتلمس حضنًا يسعها هي ودميتها ثم تسألني عنهم، فأخبرها أنهم أخواتي الصغيرات.

– يعني إيه أختي؟!

– امممممم.

 

تعني أربع فتيات بعيدات متقاربات.. حب نبت داخل رحم واحد فجمعنا في غرفة واحدة تحوي سريرين وكل سرير يطوّق أختين معًا حتى انفصلنا على غرفتين فيما بعد.. تعني الكثير من اللعب والضحكات العالية والقفز داخل مربعات لعبة “الأولى” في مدخل المنزل، تعني جلسات تفوح منها روائح صينية البطاطس بالفراخ وأصابع ورق العنب وأمًا تتفانى في إطعام الحب للصغيرات اليافعات.. قد تعني خصامًا حول كنزة ارتدتها إحداهن بدون علم الأخرى أو هلعًا على إحداهن وهي تقع في أرض الحمام فاقدة للوعي بعد إجراءها لجراحة عاجلة.. تعني السند الذي يدفع إلى النقطة الأبعد بدون أحقاد أو غيرة كارهة.

تعني دموعًا تتساقط في زفافي.. وأحضانًا كبيرة كبيرة كالعالم وقبلات صغيرة صغيرة كحبات الشوكولاتة، حتى فَقدت الأخوية الصغيرة برحيلي.

 

يا صغيرتي لديّ أخت كالتوأم نتقارب في العمر، الصور معها تدل على طفولة بريئة والذاكرة مليئة بأيام كنا نرتدي فيها مريولاً رماديًا، نقف متجمدتين في صباحات شتوية ننتظر باص المدرسة وليالٍ صيفية نقف فيها داخل شرفة بيت جدتي ننادي على أشخاص لا نعرفهم ونضحك حتى تتقلص أضلاعنا من الوجع.

لديّ أختان صغيرتان لم ألحق منهما شيئًا يذكر، ففي مراهقتي كنت أنطوي في غرفتي الصغيرة بدلاً من معرفتهما بشكل أفضل، وحين جاء وقت رحيلي ذهبت وأنا على علم بأن أكبرهما خفيفة الدم حتى النخاع وآخر العنقود تعشق لعب كرة القدم.

 

أتحدث عن أن البُعد أقلقني كثيرًا، أنا لست هناك في محيط الأحداث اليومية والالتفاف حول التليفزيون مساءً والشجار على القناة، بعيدة عن ضوء الأباجورة الخافت الذي شهد وشوشاتي مع أختي حول القلب الذي تمزق مع مرار الحب الأول.. بعيدة عن المطبخ الذي تنفست فيه راحة الزعتر والليمون في تتبيلة الدجاج وصوت أمي وهي تهديني السر في الحصول على حبيبات أرز مفلفلة.. كيف الصمود ومغالبة الافتقاد الذي يبكيني وهم هناك يخلقون ذكريات مستمرة في الحدوث وأنا هنا أخلق ذكريات أخرى لا تضمهم.

 

طفلتي.. أريدك أن تتذكري جيدًا أن الاقتراب من اللوحة به من المتعة التي تجعلِك تلمسين كل لون بداخلها على حدة، تصنعين بأناملك التي تسير فوق الإطار ذكريات لا تُنسى، وتذكري أيضًا أن في الابتعاد عن اللوحة والنظر إليها ومسافة تفصلك عنها متعة أن تريها كاملة متناغمة في تفاصيلها.

سأتذكر أنا الأخرى هذا، ففي بعدي عن فتياتي رأيت ما لم أستطع رؤيته حين كنا متلاصقات.. رأيت أيامهن المزدحمة بالحكايات واستمعت إلى أسرارهن وغلّفت لهن بضعة نصائح ووضعتها داخل قلوبهن.

وكلما أفتقدتهن دفعني هذا إلى القرب منهن أكثر ومشاهدتهن يكبرن ويظللن عليكِ بحب الحفيدة الأولى، تذوقت معنى الاشتياق لصنع ذكريات جديدة معهن وأنتِ تتوسطينا لتكوني خامستنا.

 

تتزوج واحدة وتتخرج الأخرى من الجامعة لتدخلها الأخيرة، تمر الأسابيع متلاحقة أنتظر فيها أيامي التي أبيت فيها هناك معهن، نجلس ليلاً أمام قطع السينابون الغارقة في الشوكولاتة ونتقافز على أغنية  shower *.. يتطاير شعرنا مع كل قفزة للأعلى نلمس بها ذكرى تتراص جانب مثيلاتها.

نبتلع الصدمة معًا حين يخبرنا أبي بابتسامة أنه مريض بالقلب ونحن نجلس داخل أحد المطاعم ونبكي بحرقة حين نعود إلى المنزل نحاول استيعاب ماذا لو فقدناه.

 

حين تمر عليّ ليالي الأرق الطويلة أفكر في إحداهن وهي تمسّد لي شعري أو تهمس لي الأخرى بالـ”النكات” التي تضحكني أو تحتويني مكالمة طويلة مع التي قضيت معها العمر القديم.

حين تمر عليّ ليالي الأرق الطويلة أنظر إليكِ يا صغيرة وأفكر لماذا عليّ أن أحرمك من كل هذا الحب الذي أعيشه معهن.. لماذا أبخل عليكِ بمن تصنعين معها ذكرياتك الأجمل، تقف إلى جانبك يوم زفافك ترتب لكِ كل شيء لتحرص على أن تحظى بيومك المثالي.. ترقصين معها بحيوية وتبكين معها براحة.

 

لا أدري ماذا يحمل الله لي ولكِ، ولكن أتمنى أن تنعمي بما أنعم به معهن يوميًا رغم البعد، فأنا برفقتهن أحتفل بحب متجدد فريد لا يتغير.. أنا بهن أعرفني ومعهن أقرب لفرحات متتالية مهما بلغ صغرها أو كبرها.

 

*******

You light me up inside

Like the 4th of July

Whenever you’re around

I always seem to smile

And people ask me how

Well you’re the reason why

I’m dancing in the mirror and singing in the shower

لتظلوا دومًا لي سببًا لأرقص أمام المرآة وأغني تحت (الشاور)*.

 

المقالة السابقةتشوهات جيل
المقالة القادمةعن الحب الأول.. الساذج

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا