365 يوم أمومة

858

عزيزتي الصغيرة فريدة.. في مثل هذه الأيام قبل عام، أعطيتِني لقب "أم"، دون أن تعطيني معه أي إرشادات أخرى أو نصائح أو حتى
تنويه عما سيُحمِّلني إياه هذا اللقب من مهام ومسؤوليات وحب غير مشروط.

أصبحت "أم فريدة".. وبدأت رحلتنا معًا، 365 يومًا وبضعة أيام حتى الآن، أختبر معكِ أشياءً جديدة كل يوم، مفاجآت لا حصر لها،
وبدايات كنت أسمع عن فرحتها، ولكني اكتشفت أنها تفوق ما تخيلته من سعادة ومشاعر، 365 يومًا يا صغيرتي، نكافح ونتعلم ونعافر
معًا لتكوني فريدة وأكون أمًا، أو بمعنى أدق لأستحق هذا اللقب على طريقتي الخاصة.

قبل ولادتك أخبرتك أنني لن أكون أمًا مثالية، ولن أطلب منكِ في المقابل أن تكوني طفلتي المثالية في كل شيء، وقد كان.. في مثل هذه
الأيام قبل عام تقريبًا، كنت أنظر إليكِ وأنا لا أملك من أمري وأمرك شيئًا، لا أعلم من أين أبدأ وكيف سأتصرف مع بكائك وجوعك
ونظافتك وتدليلك.. منذ أول يوم كانت بوصلتي هي حضنك وعينيكِ وما زالوا كذلك. واليوم أعتقد أن الله أرسلك لي لتجعليني أفضل في
كل شيء، لتربيني من أول وجديد وتهذبي طباعي الثائرة وتمنحيني من سكينة عينيكِ الكثير.

خلال هذا العام تعلمت أن للحب معاني مختلفة، وأن للصحبة مذاقًا آخر معكِ، أن للفخر والسعادة وجوهًا كثيرة وأن كل شيء ممكن
والمفاجآت تحدث يوميًا.

أتذكرين ابتسامتك الأولى التي جاءت في يوم مشحون بالتعب؟ كيف جعلتني أرقص وأبكي فرحًا.. يتكرر الأمر على مدار عام مع أول
كل شيء، أول مناغاة وضحكة وسنّة وحركة وخطوة، أول كلمة فاجئتِني بنطقها في يوم كنت أعاني بوادر اكتئاب، أول تمشية لنا معًا
دون قيود لتصبح روتينًا أسبوعيًا رائعًا، يومًا بعد يوم أرى شخصيتك تتبلور أمامي، طفلة ساحرة.. عنيدة وقوية الشخصية، مثابرة وذكية،
تعرفين كيف ومتى تفاجئيني وتخبريني أن جهدي لم يذهب هباءً.

اليوم أصبحت خبيرة في تغيير الحفاض وطهي الطعام الخاص بكِ وتعليمك المشي والكلام، صرت أفهم مناغاتك وإشاراتك بوضوح،
تزداد علاقتنا اتساقًا، ما زال حضنك البوصلة وحضني هو ملاذك من العالم، اليوم أنا أم واثقة من خطواتها تمامًا، أتعلم معكِ يوميًا كيف
تكون الأمومة بعيدًا عن الكتب والكتالوجات والنصائح المعلبة في التربية ومارثون الأم المثالية.

أدوّن لكِ يوميًا على مدار عام وأكتب لكِ ما ستقرأينه يومًا وتعرفين كيف كنتُ وكيف أصبحتُ بعدك.. كيف غيرتِ عالمي وعالم أبيكِ..
كيف أنظر لنفسي الآن وأتساءل في اندهاش حقيقي "هل استطعت فعل ذلك حقَا؟".

365 يومًا منذ أن وضعك الطبيب بين يدي، وأنا أعلم أنني حصلت على جوهرة غالية جدًا، يومها قطعت على نفسي وعدًا بألا أترككِ
أبدًا، أن أظل سندك وحمايتك من العالم، أن أربيكِ طفلة مستقلة وامرأة ناجحة متألقة، سأحافظ على مسافة ألا أترككِ تسقطين أبدًا وألا
أجعلكِ تعتمدين عليّ تمام الاعتماد، أنا هنا لأجلك ولكنكِ لست ملكًا لي في النهاية.. أعلم هذه الحقيقة جيدًا.

365 يومًا، نمرّ بمواقف شديدة الحزن وشديدة الفرح، أخفقت كثيرًا ونجحت كثيرًا معكِ، تمرّ الأيام وتشبهين أبيكِ أكثر في الشكل ولكنكِ
تتحلين بطباعي تمامًا، أبتسم وأدعو الله أن ترثي مني كل شيء جميل، وتتركين ما دون ذلك.

اليوم أتذكر البدايات وأبتسم أننا أكملنا عامًا كاملاً، في ظني، مرّ عليّ أفضل ما يكون بتيسير من الله.. عام من القرارات المصيرية التي
غيّرت عالمي وعالمكِ الصغير.. عام من الأمومة الخالصة في كل فعل وردة فعل.

ما زالت أحلامي لنا معًا تزيد يومًا بعد الآخر، ما زلت أعدك يوميًا ألا أتذمر أبدًا من الأمومة ومتاعبها ومسؤوليتها وألقي اللوم على
وجودك، نعم أشكو من الحِمل ولكنني أعرف ما بي من نعمة، نعم هناك أحلام تؤجل وأولويات تُعاد من جديد، ولكن هناك أحلام أخرى
تتحقق وتُخلق وأولويات أكثر أهمية.

أعدك يا صغيرتي أننا سنكون صديقتين، سنتناول قهوتنا المفضلة ونحكي ونكتب كل ما يحلو لنا، سنذهب لنشاهد أفلامنا المفضلة معًا،
ونتسوق كما نفعل الآن، سنحصل على أختام السفر من كل الدول التي سنزورها معًا، سأصطحبك معي في كل مكان وأصنع معكِ كل
ذكرى باقية لي في هذا العالم -بإذن الله- وسأحافظ على هدية الله وأشكره دومًا وأبدًا لأنكِ هنا ولأنني "أم فريدة".

المقالة السابقةماذا عن أنوثتك فى العمل؟
المقالة القادمةادعوا لهذه الأم.. فهي الآن في مصيف
باسنت إبراهيم
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا