ومن لم يجعل الله له ونسًا.. فما له من وَنَــــس

375

 

 

(1)

“أُقر أنا المذكور أعلاه”.

 

غاليتي الصغيرة ونقطة النور بقلبي وَنَـــس..

أيامٌ قليلةٌ تفصلنا عن عامك الثالث، مَرت الأيام سريعة جدًا، ولكن ببطءٍ شديد، إن كُنتِ تفهمين ما أقصُد. وبقَدر ما أتعجَّل نُضجك، وأن تزدادي عُمرًا، لعَل الحِمل يقِل، أو يعتاد قلبي الرَجفة.. لكني في الوقت نفسه أعرف كم هي ثمينة تلك الأيام التي تملئينها بضحكتك الصافية البريئة، ولمعة عينيك المضوية والتي أتمنى ألا تفقديها أبدًا.

 

تقولين على كل الأشياء/ الكائنات “جميلة جدًا” فيُردد قلبي خلفك ربنا يحَلِّي أيامك بحَق ما ترين العالم جميلاً، وبحق ما يملك قلبك من حُب يفيض ويسعنا جميعًا، في الحقيقة لا أعرف كيف تفعلين ذلك، حتى ولو كانت تلك هي الفِطرة التي خلقك عليها الله، وأن أيادي الحياة السوداء لم تطالك بعد!

 

أعجز عن الفهم خصوصًا حين أعَنِّفك على شيء ما وبينما تبكين بكاءً يفطر القلب، أسألك هل تُحبينني فتُجيبين دون تردد بنعم، ثم تُضيفين “بحبك قد الدُنيا”، فأشعر في تلك اللحظات كم أنتِ الكبيرة والقوية يا ونس، وأنا الصغيرة، الهَشة التي ما زالت -رغم سنوات عُمرها التي تجاوزت الثلاثين- تعجز عن مواجهة ما يصعُب عليها سوى بالانفعال، فآخذك في حُضني لأهدهدك ولأحتمي بكِ في الوقت نفسه.

 

(2)

“إني سهرت العمر وَنَــس..”

 

لماذا تُحبينني يا ونس؟!

أخاف الحُب أكثر مما أخاف الكُره، فالكُره واضح، نهائي وقاطع، بينما الحُب تتبعه الأحلام، العَشَم، والكثير من التوقعات، والحياة مُتخمة بفخاخ الخذلان، ويصعُب عليّ أن أخذلك يا صغيرتي.. ولكن أعرف أنني سأفعل.

 

لا عَن عَمد، وإنما لأن تلك هي سُنة الحياة، فأنا لست ملاكًا، ولا أملك كل الإجابات الصحيحة. كما جرى العُرف أن يأتي وقتٌ على الأبناء يظنون فيه أن أهلهم لا يفهمونهم بما يكفي، أو لعلهم كان لديهم ما هو أفضل لتقديمه، وغالبًا ستظل تلك هي فكرتك حتى تصبحين أمًا، حينها سترين/ تشعرين كل شيء بطريقة مُختلفة.. كم ستكونين أمًا جميلة يا ونس!

 

(3)

“وعشت بكل كياني حَرَس”.

 

سأخبُرك سرًا لم أُخبره لأحد من قبل.. أنا أُحب رائحتك، أعشقها، خصوصًا تلك التي تفوح منكِ أثناء النوم وبأول الصحيان، أتعرفين؟ رائحتك تُشبه إلى حَدٍ كبير رائحة والدك التي أسرتني منذ الليلة الأولى لنا معًا!

هكذا إذن.. أتشممك يوميًا بقلبي دون أن تَدري، أُحاول أن أحتفظ برائحتك داخلي بأكبر قَدر مُمكن، عسى أن تلتصق بجدران الروح، ثم أهمس لكِ بأذنك أنني أُحبك وأن عليكِ ألا تنسي هذه الحقيقة المُطلقة ولا تلك اللحظة. ثم أدعو الله أن يُسقط قولي بقلبك، تتذكرينه كلما شعرتِ بالوحدة أو بالحاجة للحُب، فتعرفين كم أنتِ غالية، وتستحقين الأفضل.

 

أفعل كل ذلك وأكثر، رُبما لأنني لا أستطيع تجاهل احتمالية أن ما بيننا الآن مؤقت، لن يزول لكنه لن يبقى كما هو. وأقصد بذلك الحُب غير المشروط الذي تمنحينني إياه، والهالة الأسطورية التي تُضفينها عليّ والتي سُرعان ما ستخفُت، فأنا لست رائعة لهذه الدرجة يا حبيبتي، ولا تعتقدين أنني أقول هذا تواضعًا، أو لأنني أُعاني من مشكلات تتعلق بتقديري لذاتي.

 

فأنا أعرف ما أنا جيدة فيه بالفِعل، لكنني أعرف أيضًا أنني لست مثالية، رُبما لا أحد كذلك أصلاً! غير أنني -كما يليق بامرأة لعنتها هي الحصول على الدرجة النهائية في كل شيء- تؤرقني تلك الحقيقة فتنخُر ما أملكه.. كم أخاف أن أفقدك يا ونس!

 

(4)

“وطوفت بلادك ناي وجرس”.

 

إليكِ سرٌ آخر..

قديمًا كُنت أحتقر الآباء والأمهات الذين يرددون أنهم يُحبون أبناءهم أكثر من شُركائهم بالحياة، رُبما لأنني كنت أظن أن الأبناء من السهل تعويضهم، أما شريك الحياة فيصعُب إيجاده مرةً واحدةً في الأساس، فما بالك باثنتين؟!

 

كنت أظن أيضًا أنني منحت والدك كل ما أملك من مشاعر، وأن قلبي لا يتسع غيره، بل ولا يحتاج لسواه، حتى أتيتِ أنتِ، فخطفتي قلبي وروحي، ولم يعُد لأي شيء معنى بدونك، ما زال أبوكِ هو رجل عُمري بالطبع، إلا أنك صرتِ أكسجين حياتي.

 

أعرف أن هذا يصعب استيعابه ممن ما زالوا يربطون بمنتهى الحماقة بين عدم رغبتي في أن أصبح أمًا مرة ثانيةً وشكواي مما أُعانيه بفِعل الأمومة، ومشاعري تجاهك، كما لو كانت مُعاناتي تتعارض مع الحُب.

 

أُحبك فوق المحبة حُبًا يا ونس، ولو رجع بي العُمر كُنت سأُنجبك من جديد، وهو ما لا يُصدقه الكثيرون أيضًا، لكنكِ تستحقين المرور بتلك التجربة التي أنتِ حُلوها، أما مُرها فيقع عليّ وعليكِ على حدٍ سواء، وأنا آسفة حقًا لكوني أحد أسباب اختبارك ذلك المُر.

 

فالحياة “مش فِيــــر خالص على فِكرة” وأحسب حساب اليوم الذي ستكتشفين فيه ذلك، ولا أعرف هل عليّ أن أؤهلك أن الدنيا لن تمنحك كل ما تشتهينه، أم أتركك تصطدمين بذلك بنفسك!

 

(5)

“والعاشق بينقَّط بهواه”.

 

على أي حال.. ها قد أتى عيد ميلادك الثالث، وما زلت لا أملك ما أمنحه لكِ أكثر من حُبي الدائم، قلبي المفتوح لكِ وبكِ، ودعواتي الصادقة جدًا لعل الله يقبل بعضًا منها. أكتب لكِ تلك الكلمات، لأنها ستبقى حتى حين أرحل، فتعرفين كم كان قلبي مُعلقًا بكِ، وكم كُنت أنوي أن أمنحك كل ما أستطيع تقديمه، وأنني ما كان يُمكن لي أن أُحبك أكثر.

 

فاعذري تقصيري وخذلاني السابقين واللاحقين، واصفحي عما سترينه مني ولن يحظى برضاكِ، فأنا مثلك تمامًا يا ونس.. بشر، أُخطيء، أكذب، أعصى، وأفشل، لكنني أعدك أنني سأحاول دومًا أن أكون أُمًا أفضل.

مامتك ياسمينا.

ابنتي الحبيبة ونس.. في عيد ميلادك الثالث

المقالة السابقةضحّي ولكن…
المقالة القادمةضحّي ولكن…
امرأة ثلاثينية متقلبة المزاج، أعشق الرقص على السطور كتابةً، أُحب الفن بمختلف أنواعه وأعيش عليه. والآن كبرت وصار عليّ أن ألعب في الحياة عشرات الأدوار طوال الوقت، لأستيقظ كل صباح أُعافر حتى أستطيع أن أُحاكي بهلوانات السيرك فأرمي الكُرات المُلونة بالهواء ثم ألتقطها كلها في آنٍ واحد.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا