وأهدتني أمي مفاتيح العالم

474

كاميليا

أمي لم تتعلم القراءة أو الكتابة.. لكنها منحتني مفاتيح العالم.

أمي امرأة بسيطة لم تعرف القراءة أو الكتابة، لكنها حملت في جعبتها دائما إجابات لكل أسئلتي. منذ الصغر حملت لي القصص المصورة وفتحت لي طرقًا متعددة للمعرفة.
ما زلت أذكر زيارتنا الأولى لمعرض الكتاب. أذكر أمي.. امرأة قصيرة القامة تمسك بيد صغيرتها ذات سبعة أعوام وتقرر أن تذهب بها إلى معرض الكتاب.

 

في البداية سألت إحدى صديقاتها عن مكانه، لكن صديقتها سخرت من اهتمامها بتلبية رغبة صغيرة لا تفهم شيئًا وتريد أن تضيع النقود القليلة على “شوية قصص ملونة” لكن أمي بعزيمة لا تنكسر توجهت إلى موقف الأوتوبيس لتسأل مشرف المحطة وجماعة السائقين عن أفضل الطرق للوصول إلى معرض الكتاب، الذي لا تعرف أين يقع بالضبط. قادتنا الإجابات إلى المقعد الجلدي الأحمر في الأوتوبيس في رحلة طويلة من المعادي لمدينة نصر، التي لم أكن أعرف عنها وقتها أي شيء سوى أنها بعيدة في أقصى الأرض. لا أذكر الطريق إلى هناك، لكني أذكر طابور التذاكر الطويل، ثم المساحة الشاسعة الممتلئة بالبشر، ومكبر الصوت الذي يغني “أط أط أط.. أطفالنا”.

كنت ذاهبة وهدفي الأساسي هو “قاموس سفير المصور.. فيه كل ما تتصور” كانت إعلانات التلفاز تحيطنا به ليلاً ونهارًا باعتباره أفضل الطرق لتطوير اللغة الإنجليزية عند الطفل. كنت في مدرسة حكومية وكان النظام وقتها لا يبدأ في تدريس الإنجليزية للأطفال قبل الصف الرابع الابتدائي، وأنا ما زلت في الصف الثاني. لكن أمي رأت أن الوقت ليس مبكرًا، وأن اقتناء القاموس الآن مهم. فاشترينا القاموس، ثم أخذنا نتجول في المعرض، فكرت أمي في وجهتنا التالية، امرأة بسيطة لا تعرف القراءة والكتابة وبالتأكيد لا تعرف شيئًا عن دور النشر، لكنها تعرف اسم “الأهرام”، وبحدسها الذي لا يخيب علمت أنها ستجد هناك شيئًا ما يناسبني، سألنا عن مكان “الأهرام” وذهبنا إلى هناك، وخرجنا بكتاب صغير بغلاف صلب “أنت تسأل وميكي يجيب” كتاب صغير يحتوي على أسئلة عن كل شيء تقريبًا، الفضاء والأرض وأعماق البحار وجسم الإنسان وإجابات مبسطة لها. كلفتنا وقتها 14 جنيهًا وما زلت أحتفظ بها حتى الآن.

أخذنا نتجول في أنحاء المعرض حتى وجدنا أحد الأشخاص يجلس إلى الرصيف وأمامه فرشة كتب وينادي “بجنيه واحد الكتاب” اشترينا موسوعة مبسطة أخرى ضخمة. بعدها اشترينا مجموعتين من الكروت الصغيرة “flash cards” بها معلومات دينية وثقافية متنوعة، اعتدت أن أستخدمها لإعداد فقرة هل تعلم في الإذاعة المدرسية.

أتذكر أمي وقتها كلما لفت نظرها شخصًا يحمل كتبًا للأطفال وهي تسأله دون خجل عن دار النشر التي حصل منها عليها وتبحث عن تلك الدار لنتّجه إليها. كانت تقطع المسافات التي بدت لي شاسعة ومخيفة بلا وجل لتفتح لي أبواب عالم لا تعرف عنه شيئًا.
وعدنا إلى البيت في نهاية اليوم محملين بغنيمتنا الصغيرة من الكتب والمغامرات والألعاب.

 

ذهبت كثيرًا فيما بعد لمعرض الكتاب، سواء وحدي أو مع مجموعات مختلفة من الأصدقاء أو مع زوجي وقتما كان خطيبي، لكن لا شيء يشبه مغامرتنا الأولى أنا وأمي.

لذلك أندهش كلما وجدت أمًا تتساءل كيف تشجع أبناءها على القراءة، أو تتحدث عن خشيتها من دراسة أبنائها بلغة أجنبية لم تدرسها وتخاف ألا تستطيع مساعدتهم في مذاكرتها. أو تحمل همّ رغبتهم في تعلم آلة موسيقية أو نشاطًا لا تعرفه. أتذكر أمي المرأة البسيطة التي واجهت العالم وحدها والتي وضعتني على بداية الطريق دون أن تعرف آخره، كل ما أعرفه الآن بعد أن صرت أمًا أنا الأخرى أن علينا أن نفتح لهم الطرق ونمسك بأيديهم في الخطوات الأولى حتى لو كانت طرقًا مجهولة لنا، أو مخيفة ولا نعرف نهايتها، فليس عليهم أبدًا أن يتابعوا السير في الطرق التي نعرفها.

أول زيارة لمعرض الكتاب وأغنية “أط أط أط.. أطفالنا”

المقالة السابقةعندما يتحول الكتاب لبساطٍ سحري
المقالة القادمة16 سبب للبهجة في عز الشتا

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا