محاولات للعودة إلى الكتابة

362

أبدأ هذا المقال بدون أي أفكار مسبقة، فقط أرغب في الكتابة لأثبت لنفسي أنني ما زلت أستطيع أن أجد الوقت والطاقة للكتابة.

 

بعد حملي في ابنتي الصغرى سيطرت على عقلي فكرة واحدة هي أنني لن أستطيع مواصلة الكتابة في منزل فيه ثلاثة أطفال في أعمار مختلفة، ولكل منهم طلبات مختلفة، وطوال شهور الحمل وأنا أعمل بدأب حتى أستطيع تعويض الوقت الذي أظن أنه سيضيع مستقبلاً.

 

في الحقيقة.. الشتاء مغوٍ بالكسل، والبرد يعمل على إضاعة الوقت دون أن أشعر، الحميمية الموجودة في تفاصيل منزل به ثلاث فتيات صغيرات في أعما ر مختلفة تجعلني دون أن أدري أتخلى عن الكتابة لصالح أشياء أخرى أكثر مما أظن، أتخلى عنها أو أؤجلها لصالح مذاكرة دروس ابنتي الكبرى، أو اللعب مع الوسطى ومشاركتها الأشياء الصغيرة المحببة، أو لصالح العناية بالرضيعة التي لم تكمل أسبوعها الثالث بعد.

 

الكتابة عمل، لكنه عمل ليس له مواعيد، وأنا لا أمارسه من مكان سوى منزلي، لذلك أحمل الكتابة في رأسي طوال الوقت، لكنها -لمن لا يعلم- تتساقط إذا لم أحافظ عليها وأدوّن الملاحظات أو الأفكار، وأنا أخشى أن يمر الوقت دون أن أكتب، أخشى أن تأخذني دوامة الحميمية فأنسى الكتابة وأتخلى عنها، خصوصًا وهي عمل مرهق يغوي بالتخلي إذا لم نجد له الوقت.

 

حتى لو لم أملك فكرة معينة أكتب عنها قررت أن أكتب حتى أتلمّسني من جديد، حتى لا يمر الوقت دون أن أشعر، فأجد نفسي تحولت إلى “ماما” فقط، وتخليت عن “سارة”.

 

الأمومة ممتعة، وتطغى دون قصد على ما غيرها، والمجتمع يحاول أغلب الوقت في تحميل الأم تحديدًا فوق طاقتها ويؤجج شعورها بالتقصير ناحية أطفالها، الجارات والأقارب والأصدقاء في محاولات دؤوبة ومستمرة للتدخل بشكل سلبي، بجمل ثابتة ومتكررة، عن وزن البيبي الأقل من أقرانه، أو عن الرضاعة الصناعية، أو عن الحضانة.

 

طيب.. أنا أرضع كل بناتي رضاعة طبيعية ولا أذهب بهم إلى حضانة إلا بعد سن الثالثة، ولكن هذا لا يمنع التدخل والنصائح المعلبة من عينة “لا بس البنات رفيعين.. هو إنتي مبتأكليهومش، لا بس بدل ما تسيبيهم وتقعدي تقري شوية قومي اعمليلهم صينية كيكة، بنتك جابت في الماث سبعتاشر من عشرين وبتقوليلها برافو؟! لا طبعًا لازم تبقى جينياس وتجيب الدرجة النهائية يا إما نعلقها من رقبتها، مبتعمليش للعيال محشي ليه؟ ينفع يعيشوا من غير محشي؟ بنتك الصغيرة سمرة شوية عن إخواتها، إنتي مبتحميهاش ولا إيه؟”.

 

قررت من فترة طويلة أن لا أجعل التدخل السلبي يحبطني وأن أحاول بكل الطرق تخطي وتجاهل كل ما يشبه العينات السابقة من النصائح حتى أستطيع المواصلة. كل يوم أذكّر نفسي بأنني يجب أن أحافظ على كل ما يخصني، وأن لا أذوب في تفاصيل بناتي مهما حاول من حولي تعزيز شعوري بالذنب.

 

أكثر ما يرهقني هو انعدام النوم تقريبًا، في طفلتي الأولى كان النوم أسهل، كنت أنام وقت نومها وأنهض قبلها لأنهي كل المسؤوليات والمهام المنزلية قبل أن تصحو، وبالرغم من عدم الخبرة كأم وقتها، لكن كانت الحياة أبسط وأكثر سهولة.

 

مع طفلتي الثانية ومع فارق السن الكبير بينها وبين الأولى لم يكن الموضوع صعبًا؛ كانت ابنتي الكبرى تساعدني وتتفهم إلى حد كبير معنى قدوم أخت صغيرة، لكن تجربتي الثالثة مع الأمومة مختلفة، خصوصًا مع فارق السن الصغير بين ابنتي الثانية والثالثة.

 

ابنتي الوسطى لم تتفهم معنى الأخت الصغيرة، لم أسلم من مشاعر الغيرة والارتباط الشديد الذي حدث بين ابنتي وبيني فجأة مع قدوم الصغيرة، أصبحت ترغب في الالتصاق الدائم بي ولا ترى في الصغيرة غير كائن جاء للتفريق بيني وبينها.

 

أصبحت مجبرة على تقسيم نفسي إلى ثلاثة أجزاء لألبّي كل الطلبات المختلفة، كل من حولي في المنزل أصبح لديهم أسبابهم الخاصة ليجبروني على النهوض من النوم الذي قلما يحدث، إلا أنا، أنا الوحيدة التي لا أرغب في النهوض من السرير ولا أجد أي أسباب للتخلي عن دقائق نومي القليلة.

 

كتابة مشاعري ومحاولات البوح هي فقط التي أعطتني طاقة للنهوض، التفكير في الكتابة فقط هو ما يمكنني من المواصلة والاستمرار في تحمل الإرهاق والتعب وقلة النوم، الكتابة تعينني على ممارسة المسؤوليات الصعبة، لأني أعلم أنني سأكافئ نفسي بلحظات حميمية في علاقة مع الأحرف والكلمات.

المقالة السابقةالجواز شركة
المقالة القادمةشوربات الشتاء.. المشوية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا