قبل زواجها بشهر تنحت بي صديقتي جانبًا وسألتني: تفتكري أنا حلوة؟
أجبتها بما أراه وقلت لها: إنتي جميلة فعلاً.
فقالت لي إنها لا تقصد وجهها، وأما سألتني: هل ترين جسمي جميلاً؟ هل تعتقدين أنه سيراه جميلاً؟!
فقلت لها: كيف ترين أنتِ نفسك؟ هل ترين نفسك جميلة؟ كيف ترين جسدك؟ وفي أي وضع ترينه أجمل؟
فقالت لي إنها لم ترَ جسدها عاريًا أبدًا.. حتى أثناء الاستحمام لا تنظر إليه، ولما سألتها لماذا، قالت لي ببساطة.. عشان عيب.
***
في مناقشة تمت بين مجموعة من الفتيات والسيدات عن الختان قالت إحداهن: وكيف تعرف المرأة بأن هذه العملية قد أجريت لها إن كانت قد تمت وهي في سن صغيرة ولا تستطيع أن تتذكر؟ هل تتم هذه العملية لجزء واضح ملموس من العضو الأنثوي أم لجزء مختفٍ داخل الجسد؟
فسألتها: هل فعلاً تجهلين جسدك وتجهلين إن كان قد تم اقتطاع جزء منه أم لا؟ وسألتها بفرض أننا قمنا في طفولتك المبكرة ببتر العقلة الأولى من أصابع يدك اليمنى كلها، وتعافيتِ من آثار الجراحة ولم ثتبت في ذاكرتك الحية؟ هل عندما ستنظرين إلى يدك ستعرفين بوجود البتر أم لا؟
فقالت لي ولكن هذه يدي.. طبعًا سأعرف. أما عن آثار عملية الختان فلن أعرفها لأنني لن أفعل العيب وأنظر إلى هذا الجزء من جسدي.
هذان الموقفان مرّا عليّ وبينهما فترة زمنية طويلة.. لم أفكر فيهما أو أربطهما ببعضهما إلا عندما شرعت في الكتابة عن الجمال.
كانت الأسئلة تتزاحم في رأسي وكنت أبحث عن إجابات بين المحيطين بي.
كنت أريد أن أعرف كيف ترى المرأة نفسها؟ كيف ترى شكلها؟ كيف تصف نفسها؟ متى تشعر أنها جميلة؟ وهل تتطابق صورتها الذهنية عن نفسها مع الصورة التي تطالعها في المرآة؟ ( اقرأى أيضًا: كل البنات حلوين )
سألت عددًا من الفتيات والسيدات حولي سؤالاً مباشرًا.. إيه رأيك في شكلك؟
تنوعت الإجابات وكانت هذه بعضها.
كرشي مضايقني.. عندي جناب.. شعري خشن وناشف ومقصّف.. لوني غامق أوي ومفيش كريمات تفتيح بشرة بتعمل نتيجة كويسة.
كنت أتعجب من المرأة التي عندما تبدأ في وصف نفسها فإنها تختار أسوأ ما تراه لتتحدث عنه، وكنت من داخلي أتساءل إن كان كل ما تشعر به وتصدّره للآخر هو أقبح ما تراه في نفسها، فيكف سيراها الآخر جميلة.
وما هو الجمال عندهن؟ ولماذا لا يرين في منحنيات جسدهن جمالاً؟ لماذا لا يرين في شعرهن الأجعد جمالاً؟ لماذا لا يرين في سمار بشرتهن جمالاً؟
من وضع مقاييس الجمال؟
تعرفي على: سر جمال البشرة السمراء
ثم عرفت أن البنات والسيدات في بلادي لا يرين أنفسهن، بل يرين من أنفسهن ما يراه المجتمع فيهن.
لم تجرّب إحداهن أن تقف عارية أمام المرآة لترى جسدها وتعرف تفاصيله وتعرف إن كان جميلاً أم لا. لم تحب إحداهن جسدها وتدلله. لم تتعرف على مواطن التميز فيه.
رسّخ المجتمع في ذهن المرأة أن مشاهدة جسدها عيب، وأن معرفة مواطن جماله مكروهة بينما معرفة رغباته والتعبير عنها فهذه الخطيئة التي لا تغتفر.
وارتبط الجمال الجسدي دائمًا بالجنس والرغبة فيه والتعبير عن هذه الرغبة.
هذه الرغبة التي ينكرونها على النساء في بلادي ويكرهون الكلام عنها ويدفنوها وراء أكداس وأكداس من العادات والتقاليد البالية التي تزرع فينا الخوف من أنفسنا والهروب من جمالنا.
وهكذا تظل النساء في بلادي جيلاً بعد جيل.. لا يرين جمالهن، لأنهن ببساطة لا يرين أنفسهن.
ويستمر الهروب