يحدث أن يتمكن منا الحنين، فيجرفنا موجه لأوقات مضت وأماكن لم نعد نرتادها، وأصدقاء قدامى، والأصعب على الإطلاق أن يجرفنا بقسوته لما رحل، ولا يمكن أن يعود أبدًا. الأعياد والمناسبات تطل علينا فيقفز لرأسي السؤال، ما هو الطقس الآن؟ نسكت على غصّة، لأن الإجابات التلقائية القديمة لم تعد صالحة، لا الزمان نفسه ولا المكان ولا الأشخاص.. ماذا إذًا؟
يقفز إلى رأسي الخبر الجيد في المعادلة، نفعل إذًا ما تفعله النساء، نجعل البيوت والقلوب مصانع متجددة للذكريات، نخلط الأيام والطقوس بالكثير من الحب واللمسات الخاصة والضحكات الصافية، نصنع الدلال بخفة، ونوزعه على أنفسنا ونسكب منه على قلوب أحبتنا. هذه مجموعة من الأفكار ليوم شم نسيم مبهج ومليء بالدلع:
1- المائدة العامرة أولاً
بعد أكثر من 25 سنة عشتها مع أمي، وهي الطبيبة التي تُحرِّم علينا دخوله إلى البيت. ها أنا أحب الفسيخ وأشتهيه جدًا، ويصنع خيالي مائدة بشروط اكتمال تتحدد تجربة بعد الأخرى، صحيح يلزمنا دائمًا الكثير من الليمون والجرجير والخس، والخبز الطازج جدًا، والبصل الذي نندم دائمًا بعده، والزبادي الذي يبعث بعض الطراوة بعد الأكلة “الحامية”، ولكن ما يلزمنا أكثر هو أن نضيف للمائدة أكبر مجموعة ممكنة من القلوب التي تحبنا ونحبها بصدق، لأن هذا فقط هو ما يضمن أن يحتفظ طقس الفسيخ في شم النسيم بطعمه الحلو الذي تبتسم له الذاكرة.
2- البيض والألوان ذكريات الطفولة
اعتادت أمي أن تستقبل صباحات شم النسيم ببيض ملون، كانت تلوِّنه في الشاي والكركديه والينسون وتنصب لنا مائدة صغيرة، لنبدأ في رسم أعمالنا الفنية الفذَّة على سطح البيض، أمي كانت تفعل ما تفعله النساء، تُعمِّر في قلوبنا مصانع الذكريات، وهو أيضًا ما أتمنى أن أستطيع توفيره لابنتي، لذلك قررت أن أجعل تلوين البيض فقرة أشاركها فيها طفولتها وأستعيد طفولتي.
3- نعم للاستمتاع ولا لغسيل الاطباق
رغم كل حبنا كنساء للحالة الرومانسية الخاصة بتدليل الذات والأسرة، لكننا نفكر دائمًا وأولاً في زفارة أكلة الرنجة والفسيخ وما تُخلِّفه من مواعين سخيفة تستنزف كثيرًا من الوقت والمجهود. أنا بشكل عام من أنصار الأطباق والأكواب البلاستيك أو الكرتون التي تُستخدم لمرة واحدة، وأرى أنها أكثر عملية خصوصًا في المناسبات والتجمعات الكبيرة، لأنه ليس من المنصف أبدًا أن يكون عليك بعد قضاء يوم لطيف أن تتولي غسيل عشرات الأطباق والأكواب كريهة الرائحة، لأكثر من مرة في الغالب إذا كان اليوم طويلاً والعدد كبيرًا، لذلك أقترح عليك بشدة اللجوء للأطباق الورقية وتوفير مجهودك وطاقتك للاستمتاع.
4- الخروج ليس فكرة جيدة
صحيح أنه عيد الربيع، وأن جموع الشعب الغفيرة تعتبره اللحظة المناسبة للهجوم على الحدائق والمنتزهات، لكن هذا السبب هو ما يجعل الخروج فكرة صعبة، لأن الزحام يبتلع الكثير جدًا من الوقت، ويأكل من الطاقة النفسية ويستولى تدريجيًا على حالة البهجة والانطلاق التي يبدأ بها اليوم عادة، بالإضافة إلى أن كثيرًا من المطاعم والمقاهي تستغل المناسبة وتضاعف أسعارها، بينما تقدم خدمات تشبه كثيرًا خدماتها اليومية التقليدية. لهذه الأسباب أنصحك أن تختاري لهذا اليوم تجمعًا في أحد الأماكن الخاصة أو بيوت الأصدقاء أو العائلة، وإذا كان أحدهم يملك حديقة في منزله أو شرفة كبيرة فسيصبح اختيارًا جيدًا جدًا، يوفر بعض الهواء وشم النسيم، بينما يمكنكم تأجيل الخروج لأي يوم آخر.
5- صحتك أهم
بقدر ما أدعمك وأدعوكِ للاستمتاع باليوم وطقوسه حتى آخر مدى، فإن احتياجات جسدك، وما تعرفينه أنتِ عنه لا بد أن يكونا هما الموجِّه الأول لقراراتك الغذائية في هذا اليوم، إذا كنتِ من أصحاب مشكلة في الضغط أو تعانين من مشكلات في عملية الهضم، أو كنتِ حامل أو تُرضِعين، عليكِ الانتباه جيدًا لاختياراتك، ولا داعي أبدًا للتهور أو الاستسلام للموجة. يمكنك أن تُعِدِّي مائدة تدللك أيضًا وتناسب ما يحتمله جسمك وما يحتاجه، يمكنك تجهيز أصناف السمك المفضلة عندك والتي ستكون أقيم وأفيد لك. أنا مثلاً قررت أن أجهز مجموعة من السلطات والمخبوزات، لتصبح بديلاً مناسبًا وسريعًا للأطفال، الذين بالتأكيد لن تكون الرنجة هي وجبة غدائهم، كما أني أخذت قرارًا جادًا أن أحترم مشكلات قولوني المنتفخ والحموضة المتزايدة ولا أضغط عليهما أكثر من اللازم.
6- هدايا صغيرة تملك القلوب
صحيح أن شم النسيم ليس طقسًا مرتبطًا بالعيدية كما هي الأعياد، ولكن تجمعات العائلة والأصدقاء دائمًا ما تحب الهدايا الصغيرة أو المفاجآت، حتى لو كانت كيسًا من البلالين، أو ألعاب الصابون والفقاقيع، أو شوكولاتة تغمر الموجودين، أو عصير بيتي طازج من فواكه الموسم يرطب على القلب بعد أكلة دسمة.
7- ورود الربيع الطيبة
يمكنك أن تستغلي الفرصة وتبدئي باقتناء شتلة صغيرة أو أكثر من النباتات، وتستمتعي بازدهارها مع موسم الربيع، يمكنك اختيار بعض الورود للزينة وللروائح الطيبة، مثل الورد البلدي والقرنفل، أو تختاري بعض الأعشاب التي تدخل في صنع الطعام، مثل النعاع والروزماري والزعتر، ويمكن أن تختاري بعض نباتات الظل والزينة وتضعين بعضًا منها فوق المكتبة أو بجوار التليفزيون، أعتقد أنها ستكون فرصة مناسبة للاحتفال بالربيع كما يجب.
إذا كنتِ مثلي لا تجدين إجابة مناسبة لسؤال المناسبات المعتاد: ما هو الطقس الآن؟ فتذكري أنك امرأة، ولديكِ هذه القدرة الخارقة على خلق التفاصيل الصغيرة التي تشبهك، وأنكِ وحدك تستطيعين تمريرها للقلوب وأن تفصيلة تلو أخرى ستصنع بناءً خاصًا من الذكريات الطيبة والحب، تجنين ثمارها دفئًا، وإجابات لأسئلتك التي كنتِ تعتقدين أنها بلا إجابة.