بسنت
من قبل ما تتحول القهوة لهشتاج عن #العمق وأغاني فيروز، حكايتي مع فنجان البُن المحوج الوسَط بدأت.. قبل حتى ما أعرف مين فيروز أو يعني إيه عمق، قبل ما أعرف أصلًا أكتب اسمي.
فنجان القهوة بالنسبة لي كان -وما زال- أكتر من طعم حلو ومزاج، فاكرين جدتي زهرة إللي حكيتلكم عنها في مقال سابق؟
جدتي كان عندها هواية عجيبة، وهي قراية الفنجان، نقدر نقول إن كان عندها حدس وشفافية ربّانية بجد، لدرجة إنها كانت بتحكي حواديت من فنجان القهوة بتحصل بالمللي..
كان أمتع وقت بالنسبة لي وأنا براقب كنكة القهوة بتتحضر ع السبرتاية النحاس، وبعد كده بتتصب في الفناجين البيضا بوش تقيل، وش يليق بكل الحواديت اللي هتتحكي من جوّة الفنجان..
ثم تبدأ جدتي تفسر خطوط البُن بمهارة ملهاش مثيل.. م الآخر جدتي كانت النسخة الحقيقة من “جليلة” أو عبلة كامل في مسلسل حديث الصباح والمساء، تخيلتوا؟
وقتها كل الفكرة اللي جت في بالي “إمتي أكبر وأشرب قهوة وجدتي تحكيلي البُن قايل عني إيه”..
ولإني شخصية فضولية جدًا وكنت طفلة شقية جدًا جدًا، مقدرتش أستنى لحد ما أكبر، وفي يوم حاولت أدوق من غير ما حد ياخد باله من فنجان جدتي طعم البُن الأسمر المخلوط بالسكر أو بمعني أصح مخلوط بالسحر.. لساني اتلسع وقتها وعيطت كتير.. وكان أول درس اتعلمته إن القهوة مبتحبش الكدب ولا اللوع.
وكبرت شوية وكان مسموحلي بس أعمل فنجان القهوة لماما وخالاتي والضيوف، وفضلت شوية سنين بستمتع بإني أخلط البُن بالسكر والميه كإني بعزف سيمفونية مفيش زيها، وأصبّ القهوة في الفناجين وأحافظ على الوش التقيل في كل فنجان بالتساوي.. بالمناسبة عمل القهوة فن، وفنجان القهوة تحديدًا مينفعش يتعمل غير بحب ومزاج.
وآن الآوان إني أشرب فنجان قهوة، مش هنسى أول مرّة عملت فنجان سكر زيادة وقعدت أشربه ببطء زي جدتي بالظبط، وبعد كده حاولت أفسر الخطوط، وطبعًا مفهمتش حاجة خالص!
ماما قالتلي القهوة مبتديش سرّها لكل الناس، وضحكت كوني عبيطة وفضلت بعدها شوية محتارة، طيب إيه.. كل السنين دي ضاعت في الهوا وأنا مستنية أفك شفرة فنجان قهوتي؟!
وكبرت أكتر، ولقيت إن سرّ القهوة فعلًا مش في الخطوط ولا تفسير الغيب اللي لا يعلمه إلا الله، لكن سرّ القهوة في الحب، في المزاج الرايق والمقادير المظبوطة أوي.. ووقعت في عشقها.
بشربها زيادة عشان أنا شخصية إكستريم في انفعالاتي ومشاعري تجاه الناس والحاجات، ماما بتشربها مظبوطة يمكن لإنها بتوزن كل حاجة على ميزان حساس، واللي بيشربها سادة في رأيي دايمًا بيكون شخص بيدور ع الونس في الطعم المُر، الونس اللي يغطي ع المُر اللي جواه فعلًا.
جربت كل أنواع البُن، أصبح عندي المقدرة اللي تخليني وأنا ماشية جنب محمصة البُن أعرف اللي بيتطحن ده بُن فاتح ولا غامق ولا وسط، ولمّا أدوق فنجان عند حد أعرف أميز البُن ده نقي ولا مخلوط بأي تحويجة عشان يزيد ع الميزان.. وأعرف كام حباية حبهان بالظبط تظبط طعم البُن.. وطرق عمايل القهوة من كل بلد، وأهم حاجة عرفت إن مينفعش تشارك أي حد فنجان قهوة! أبدًا.
وأنا بكتب الحروف دي حالًا اكتشفت إن 3 بس في حياتي اللي قدرت أقسم معاهم فنجاني، وأحيانًا أسيبلهم الفنجان أو الوش التقيل وأشرب الباقي.. هدى أختي وعمرو خطيبي ورنا.. رنا حسين البنوتة الفراشة اللي بتقروا حودايتها هنا. الرابط الوحيد بين الـ3 شخصيات هو إني بحبهم، والقهوة فهمت ده.. وبناء عليه شاركتهم سري وفنجاني بدون حواجز.
القهوة مش شرط تتسمع مع فيروز عشان تحلوّ، ولا تتشرب وإنت بتقرأ كتب عميقة عشان تعدل المزاج، القهوة في حد ذاتها مزاج.
القهوة مينفعش تتعمل غير بحب وللناس اللي بنحبهم، فنجان القهوة بيوصلك ببساطة إحساس حامله.
عمومًا اللي يسلفك كتاب بيحبه، يشاركك وش فنجان القهوة أو يعملهالك بحب، ويقاسمك آخر حتة شوكولاتة، ميعزش عليك آخر ورقة من نوتة بيحبها، فكرة، ضحكة رايقة، طبطبة من غير ما يسأل عن سكوتك.. ودعوةُ مش هتسمعها بس هتحسها.. متفرطش فيه.
وآه صحيح، فنجان قهوتكم إيه بقي؟