بسنت
لم أكن أتوقع أن أُنجب فتاة بأجنحة فراشة، الدقائق كانت تمر ببطء في عقلي حتى دخلت غرفة العمليات، حاولت أن أحافظ على هدوء
أعصابي قدر الإمكان، رددت ما حفظت من أدعية واستودعنا الله ولم أشعر بشيء بعد ذلك سوى أعراض انسحاب المخدر من جسدي.
كنت أسأل عنكِ.. عن ملامحك.. ولماذا لا أسمع صوت صراخك.
أكثر ما أزعجني حينها ليس ألم الجرح الرهيب بعد انسحاب تأثير المخدر، ولكن أنني لم أستطع رؤيتك بسهولة لتشوش نظري وحالة
الصداع والدوخة التي انتابتني.
وأخيرًا رأيتك.. قطعة صغيرة من اللؤلؤ الوردي، فتاة صغيرة جدًا جدًا لم تفتحي عينيكِ بعد، يخبرونني أنكِ تشبهيني كثيرًا كما تشبهين
والدك، أخبرهم أنها قسمة العدل إذًا.
كانت أول ضمة لنا رغم الوجع حميمية جدًا.. كأنه لم يكن اللقاء الأول، هو بالتأكيد ليس اللقاء الأول لروحي وروحك، أنتِ تعرفين
حضني جيدًا، المضبوط على حجمك الصغير بالمللي، وأنا آلف ملامحك ودقات قلبك بسهولة.
تمرّ الشهور لتقوّي أجنحة فراشتي الصغيرة، تبكي لأبكي وتضحك لتجعلني أطير فرحًا، أشاركك كل شيء، فرحي وحزني وعملي
وجنوني، أشاهدك تكبرين كطفلة منطلقة محبة للعب والمرح والتنزه.. فأحمد الله حمدًا كثيرًا أنني أنجبت فتاة، حين أخبروني أن "تربية
البنات صعبة"، أخبرتهم أنني لم أتمنَّكِ سوى فتاة، كنت أدعو الله أن يرزقني فتاة حتى قبل أن أعلم بوجودك داخلي، ومع ذلك طوال 10
سنوات مضت، كنت وما زلت أربي وأعد لكِ خمسة إخوة ذكور (أولاد خالاتك)، أعلم جيدًا أنهم سيصبحون لكِ سندًا ودرعًا وحصنًا.
كانت تخبرني جدتك أنني أصلح فقط لتربية الذكور، ربما لشخصيتي الحازمة مع أولاد خالتك، تخبرني بخوفها أن أربيكِ بجمود وقسوة،
أبتسم للمفارقة، الجميع يعرف أمك صاحبة القلب القوي وأساليب التربية الحازمة التي لا هوان فيها، الجميع أصبح لايعرفني الآن يا
"فريدة".. لا يعرف أن قلبي بات يحلق خارج أضلعي، وأنّه بالفعل استقر داخل صدر فتاة بأجنحة فراشة صغيرة، يومًا ما ستقوى أجنحتها
بشكل يسمح لها بالطيران حول العالم، أو حول عالمها الخاص، وسأكون راضية وشاكرة وممتنة أيضًا لأنكِ تحملين قلبي داخل قلبك.
عندما يخيب ظني بالأحباب يبهت لوني وتخفت لمعة عينيّ، لا أريدك أن ترثي هذه الصفة مني يا فراشتي.. أرجوكِ. ربما لمثل هذه
الخيبات الصغيرة المؤلمة أردت أن أُنجب فتاة، صديقة وأم وأخت، قديمًا كنت أعتقد أن النجوم تختفي ويخفت بريقها عندما لا يرسل لها
القمر من نوره شيئًا.. فتموت في صمت إهمالاً وكبرياءً، اليوم كبرت وأنجبت فتاة أصبحت قمري في العتمة.. أستمد منها نوري وبريقي،
وأمدها بنور وبريق لا يخفت ولا يبهت.
مؤخرًا أصبحت محملة بأثقال ومسؤوليات لا تترك لي متسعًا للتتفس، طول الوقت ألهث دون التقاط أنفاسي، أعرف أنّه وقت وسيمر، وأن
الله أبدًا لن يحملني ما لا طاقة لي به، أنظر إليكِ وأنتِ تلعبين وتحلقين بأجنحتك في عالم الخيال، أبتسم وأدعو الله أن تظلي هكذا..
وبخاصة عندما تخبرني صديقتي بأوجاع قلبها النقي، هي مثلك فتاة بأجنحة فراشة، فينخلع قلبي بوجع مضاعف يا "فريدة".. وجعي لأنني
أتفهمها كصديقة ووجع آخر كأم، ستكبرين ذات يوم وستعرفين أن الوجع يدق باب القلب متى شاء، وسأكون هنا بجانبك، سأخبرك كل
عبارات الأمهات والأصدقاء، وأنا أعلم أنكِ لن تلقي لها بالاً، لأنك ستكونين عنيدة مثلي، سأكتفي حينها باحتضانك حتى يطيب الوجع دون
علامات في الروح، أو خدوش تؤثر على تحليق أجنحة فراشتي الصغيرة.