سأنجب ابنتي وحدي

597

 بقلم/  إبراهيم عادل

هل يمكن أن تعيش المرأة بمفردها؟!

تقدم الدراسات العلمية المجردة ردًا واضحًا وبسيطًا لهذا السؤال، وهو الإيجاب، فالمرأة قادرة على الإنجاب والاحتواء والحمل والولادة، في حين ينحصر دور الرجل بيولوجيًا في عملية التلقيح، وبالتالي فإنه مع تطور الأبحاث والدراسات العلمية، وظهور تجربة الاستنساخ ونجاحها، بدا دور الرجل هامشيًا، بل ربما يكون لا أهمية له!

في روايتها الجديدة “حسن الختام” تطرح صفاء النجَّار هذه الرؤية، وتلك المحاولة للتخلص من الرجل، بكل ما يمثله من قيود أبوية أو تحكمات زوج أو عادات وتقاليد مجتمع، ولكن بشكل أدبي متخيَّل بالغ الثراء وجدير بالملاحظة، بطلة الرواية “حبيبة” تحاول من خلال تجربة تجري لأول مرة للإنسان أن تستنسخ ابنتها، دون الحاجة إلى الأب/الزوج/الحبيب!

في رحلتها إلى البحث أو إلى إيجاد/ استنساخ تلك البنت الافتراضية، نتعرف على عالم “حبيبة” الذي هجرته أو هجرت من أجله عالم الرجال وجعلها تفكَّر -وهي الفنانة المنفتحة على العالم- في تلك التجربة الفريدة وتقتنع بها وتقدم عليها.

 

عبر رحلتها الطويلة، ومن خلال تذكر أحداث حياتها تنقلنا صفاء النجار إلى عالم “حبيبة” التي كانت مؤهلة لأن تكون فنانة بارزة، يشار إليها بالبنان، ولكنها قوبلت في كل منعطفٍ من حياتها بالخذلان، بداية بعائلتها التي تجد أن (النساء فيها الأكثر حضورًا، في حين يبدو الرجال كأنهم يلعبون أدوارًا شرفية، كملوكٍ مخلوعين مطرودين عن عروشهم، مثل محاربين قضوا عمرهم في فتوحاتِ ومعارك بعيدة، وعادوا لأرض الوطن ليجدوا بيوتهم مفتوحة وأسرتهم دافئة وأعراضهم مصانة…) مرورًا بأمها التي لم تعرف كيف تتواءم معها ومع رغباتها في اللعب مع الأولاد منذ صغرها، وعلاقتها المتوترة بوالدها (كان كريمًا جدًا فيما يدفعه من جيبه، لكنه يحتفظ بمشاعره لنفسه.. لم يسألني مرة واحدة عن حالي هل أنا سعيدة أم حزينة؟ أحاول أن أكسر الجليد: بابا ما رأيك في رسوماتي؟ جميلة، المهم ألا تعطلك عن دراستك) أو حبيبها حينما يذكرها طبيبها المعالج بالزواج فتتذكر علاقتها المشوهة بعصام (وتتساءل لماذا نفرت منه؟ هل لأني لم أر طيفي في عينيه؟ الصورة التي كونتها عن نفسي؟ لا تعجبه الصورة المثالية.. دائمًا ما يستهين بها ويتهكم على أفكاري، لا أستطيع أن أكشف له ما بداخلي، يهيأ إليّ أنه كان يخفي وجهًا آخر.. كل مستمر في ارتداء أقنعتـه، كل لقاءٍ بيننا ينتهي باستفزاز وتوتر.. أحتاج صديقًا يساعدني على اكتشاف نفسي لا طمسها أو تجميلها بقناعاته).

تلك المواقف وشبيهاتها ليست مبررات “حبيبة” لخوض تجربة الاكتفاء بالاستنساخ، أو العزلة عن المجتمع التي بدأت “حبيبة” تسحب نفسها إليها تدريجيًا، ولكنها حقائق مجتمعية خطيرة نواجهها جميعًا، ونشاهدها باستمرار، ولكننا نتجاوزها، وربما نتعاطف معها بعض الوقت، إلا أن صفاء النجَّار هنا تبدو كمن يدق لنا ناقوس الخطر ويحذرنا من ذلك المجتمع الذي ربما يتشكل، إن لم يكن في العام الحالي، ولا الأعوام القادمة، فربما يتشكَّل ولو بشكل افتراضي في ذلك المجتمع الذي يفرض على الناس/ وليست المرأة فقط (وإن كان التركيز الأكثر على المرأة) أن يأتين نسخًا مكررة ومستنسخة من نسخٍ سابقة باستمرار!

تقول “حبيبة“: ( يقولون النور في آخر الطريق. لكن يبدو أن الطريق ليس له آخر، والنتيجة النهائية لن نراها، وكأنه عليّ ألا أثق إلا بنفسي، ليس بمعنى اختياراتي، لا. لكن بمعنى نفسي كملكية، كأني أنا فقط كل ما لديّ.. ربما لهذه الأسباب لم أستنكر فكرة الاستنساخ، ستكون معي أنا أخرى دون مفاجآت، ربما باختلافات لكن في النهاية ستكون طفيفة وليست انقلابات، فأكثر ما يزعجني أن كل ما كنت أتمناه، كل ما كنت أتمنى أن أكونه ولم يتحقق لي وتحقق لآخرين لم يعد كاملًا أو مثاليًا كما كان عندما تمنيته أو حلمت به. تفقد كل الأشياء معناها، قيمتها، تبدو الحياة كلها مثل فرقة موسيقية دون مايسترو، أو أن العازفين أصابهم العمى فلا يرون توجيهاته، فتخرج النغمات شاذة، ناقصة، يتلاشى الكمال، الصمت المهيب، الجلال، الخطوات المتزنة، تحل محلها عشوائية، عدم إتقان، تسيّب، سيولة، شيء مترهل كجلد امرأة في السبعين، كل هذا النشاز موجود في التليفزيون، في الراديو، في المسرح، في البيت، في الكلية…).

لا تتوقف الرواية عند هذه الفكرة، بل تتجاوزها لمساءلة المجتمع، الذي لا شك سيواجه تلك البنت المستنسخة الجديدة، وتفترض ما سيحدث بعد عودة الأم إلى المجتمع بتلك البنت بدون أب، وكيف ستتحول كل الأبواق إلى محاربتها ومحاربة تجربتها باعتبارها (بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، وخطرًا يتهدد مجتمعاتنا المسلمة واعتبارها تحديًا لإرادة الله عز وجل.. وأحاديث تليفزيونية أخرى تطالب بأننا يجب أن نرفض استغلال نسائنا وأن للمرأة العربية طبيعتها الخاصة، ولا يجب أن تجاري الغرب الكافر، وأن الاستنساخ يجرد الرجل والمرأة من الدور الإيجابي في عملية الإنجاب) ولا شك أن الفتاوى ستنهال عليها بتحريم تلك العملية برمتها.

ذلك المجتمع الذي لم يفكَّر لحظة في أن يتوقف ليرى كيف ولماذا لجأت تلك الفتاة الفنانة لأن تعزل نفسها عنه وعن العالم، وتلجأ إلى عملية غريبة، لأنها فقط تريد أن تكتفي بنفسها حتى لو نتج عن ذلك كائن مشوّه!

 

للحصول على نسخة من الرواية بإمكانكم التواصل مع صفاء النجَّار.. (وهايبر لينك على صفحتها) https://www.facebook.com/safaa.elnagar.127?fref=ts

 

* ما بين الأقواس من الرواية.

 

 

 

 

المقالة السابقةلن أنجب فتاة
المقالة القادمةفتاة بأجنحة فراشة
نون
كاتبات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا