الحياة لعبة كلنا بنلعبها، وكل واحد وحظّه وقدرته على استغلال مهاراته. فيه ناس بتيأس من أول موتة ومبتكمّلش، ناس تانية بتعافر، بس شوية وتزهق، فتنقل شغفها للعبة جديدة، ناس تالتة مبتغيّرش اللعبة إلا أما تكسب وتطلع الأولى كمان.
اللعب دي هي المراحل اللي بنعدّي عليها في الدنيا،كل مرحلة وليها صعوباتها وحلاوتها والوَحْش بتاعها، اللي مش شرط يبقى مستنينا في آخرها، ده ممكن يكون ع الباب من أول ما ندخل، عفاريت دلوقتي مختلفة خالص عن عفاريت زمان.
كل واحد فينا عنده عفاريته اللي قدر يتخلص من جزء منها بالإصرار، والباقي لسه بيحاربه، أو واخد منه ريست لحد ما ييجي وقته، أصل حتى العفاريت بتتعب زينا من المقاوحة والمبارزة وشغل التلات ورقات.
النهارده هكلمكم عن أهم العفاريت اللي واجهتني في لعبتي، لعبة “الحياة/ الموت/ الحياة”.
المرحلة الأولى “الحياة”: عفريت المرحلة دي صغير في السن، عشان كده ظهر في حياتي من بدري، اسمه عفريت “ما يشبهشي”، دخل حياتي وأنا في الجامعة، لما لقيتني في وسط دراسة وأصحاب وأهل مش شبهي، أنا بحب القراءة والكتابة والمزيكا والسينما، وهمّ بيحبوا حاجات تانية مش وحشة، لكنها مش لايقة عليّ.
وزي ما نيوتن قال: “لكل فعل رد فعل مساوي له في القوة ومضاد له في الاتجاه”، كان طبيعي يبقى فيه قوة في الكفّة التانية اللي فيها كل الناس اللي أعرفها، إلا قليلًا. ولأني كنت في كَفّتي لوحدي، فكان أوقات كتير الصراع بيبقى شِبْه محسوم نتيجته، مش هنكر إني كنت بقاوح ومبستسلمش نهائي لكني كنت بوصل خانة الانتصار وأنا خلصانة، ومعنديش أي قدرة على الاستمتاع، لأن كل طاقتي تم استنزافها في المعركة اللي كنت بستغرب إنها تحصل من أساسه، لأني بطالب بحاجات لا عيب ولا حرام، إنما ضد التيار السائد وبس.
المرحلة الثانية.. “الموت”: عفريتها سميته “موتوفوبيا“.. العفريت ده عندي من زمان من قبل مرحلة “هنموت كلناااااااااا”، اللي بنمر بيها في البلد دلوقتي. بترعب من فكرة الموت لأسباب كتيرة، أهمها إني مش راضية عن علاقتي بربنا طول الوقت، مش عشان الشاطر بيبقى خايف، لأ، ده من كتر ما أنا مدركة فداحة تقصيري، للأسف. دايمًا بفكر إني لو مت في أي لحظة مش هيبقى عندي رصيد كافي لدخول الجنة، وحتى لو دخلت برحمة ربنا -حيث الأمل الوحيد- بخاف من لحظة الموت نفسها وما يليها.
فيه كابوس معيّن بيجيلي كل فترة، إن القيامة هتقوم حالًا وأنا عمالة أترعش، فأترمي في حضن أمي وأقعد أقولّها بهيستريا إني ملحقتش أعمل حاجة تدخّلني الجنة. الكابوس ده بيحسسني إن ربنا بيحبني، فعايز يفوقني ويقولي خدي بالك، الحقي، أنا ماددلك إيدي.. فأقرّب وأخاف، وشوية والحياة تسرقني ويرجع ييجي الكابوس وأتضايق أوي من نفسي، فأعيد م الأول.
المرحلة التالتة.. “الحياة”: عفريتها اسمه “أكون أو لا أكون”، وده بدأ يطلعلي من ساعة ما بقيت أم، بقعد أفكر، هل هقدر أكون أم كويسة لبنتي؟ هعرف أصاحبها؟ أحبها من غير ما أدلعها زيادة؟ أكون حاسمة من غير ما تكرهني، أو أستنى لحد ما تكبر وتبقى أم عشان تفهم إني كنت بعمل ده لمصلحتها؟ هل هقدر أدّيها مساحتها الخاصة من الحرية من غير ما أقصقصلها حتة من جناحاتها عشان خايفة عليها، أو لأن المجتمع اللي إحنا عايشين فيه مريض وفيه كل حاجة وسخة؟!
طيب.. هل هقدر ألاقي إجابات لكل الأسئلة اللي هتتخلق جواها وتكون إجابات كافية لإشباع فضولها؟ وهل الأحسن أجاوبها إجابات صادقة، يمكن متفهمهاش دلوقتي أو تسد نفسها عن الدنيا، ولا أديها إجابات تديها أمل وأسيبها تتصدم زينا لما تكبر؟
العفريت ده متفرغلي ومحسسني إني داخلة امتحان حالًا، وأنا لسه مخضوضة ومش مذاكرة ولا مستعدة. إحساس مرعب إنك تشكّل عقلية ومشاعر بني آدم في الوقت اللي إنت لسه لايص في الحياة، وبتكتشف نفسك وبتغلط وبتندم، وتلف تعيد من أول وجديد.
عفاريتي فيه منهم اللي انتصرت عليه وعدّيته، واللي بنتصر عليه انتصارات مؤقتة، لحد ما أضعف أو هو يشحذ قواه ويرجعلي تاني، واللي لسه مجاش وقته، بس عاملي إرهاب نفسي عشان يجيلي يلاقيني مستسلمة للهزيمة.
طيب هي العفاريت دي بتيجي منين؟!
يؤسفني أقولكم مفيش إجابة نموذجية للسؤال ده، كل مرحلة وليها فخاخها أو أعداء النجاح بتوعها، وساعات إحنا نفسنا اللي بنخلق العفاريت دي ونكبّرها في دماغنا، لحد ما نخاف منها بجد ونقتنع إنها أقوى مننا ومش هنقدر نواجهها، فنفشل ونلعن الزمن والظروف من غير ما ناخد بالنا إننا كنا أقوى سبب في خيبتنا لما صدقنا الوهم.
قالك “اللي يخاف م العفريت يطلعله”، فمتسيبوش الفكرة تسيطر عليكم، ولو حصل استعدوا وقاوموا، مفيش عفاريت لا تُقهر، كل الحكاية إنها بتستمد قوتها من خوفكم فمتخافوش، وعلى رأي جاهين:
يا ابني نصحتك لما صوتي اتنبح
متخافش من جني ولا من شبح
وإن هبّ فيك عفريت قتيل اسأله
مدافعش ليه عن نفسه يوم ما اندبح
وعجبي!