من كام يوم صحيت على خبَر فوز رامي مالِك بجايزة الأوسكار أحسن ممثل، عن دوره في فيلم “بوهيميان رابسودي”، اللي هو قصة حياة فريدي ميركوري، المغني والملحن والكاتب المعروف في إنجلترا في السبعينات والتمانينات.
بغض النظر عن تفاصيل الفيلم.. أكتر معلومة شَدّتني هي إن رامي مالِك هو ابن لمهاجرين مصريين -بحسب وصفه- وهو الجيل الأمريكي الأول.
الحدوتة دي أنا بحكيها ليه؟ مش عشان أقول إني فخورة إنه من أصل مصري، مع إني فخورة بيه كإنسان حقَق حلم كبير، وكفَنان تِعِب و اجتهد جدًا عشان يوصل للحظة دي. أنا عايزة أستغل الموقف ده وأكتب لبلد أهل رامي جواب.. أيوة يا مصر الكلام ليكي، جايز تكون حاجة عمري ما عملتها قبل كده، بس مش لاقية جوايا غير شوية الفضفضة اللي هقولهم دول.
يا مصر أنا طول عمري عندي ليكي كلام كتير بس مش بقوله، بيطلع مرَّات في غضب من موقِف في الشارع، أو في دموع مع شادية وهي بتقول “ولا شاف إصرار في عيون البشر.. بيقول أحرار ولازم ننتصر”، أو مع قشعرة من تِراك لعُمر خيرت، أو في نغزة وأنا بسمع حمزة نمرة بيقول “إنسان جواك وجوايا.. إنسان له حلم له غاية”. وساعات بلاقي الكلام ده طالع في قبضة قلبي لما بعرف عن حد قريب مني قرر يهاجر، أو شخص فَقَد حِلمُه لبُكرة معاكي.
مؤخرًا أكتر وقت ببقى عايزة أحكي معاكي فيه هو وأنا بتفرَّج على “فريدة” بنتي، وهي قاعدة في وسط اللِّعَب بتغزل بخيالها حواديت، وهي بتسأل عن تفاصيل جاية في حياتها، وهي بتجري في مكان مفتوح ومش شايلة هَمّ حاجة، وهي داخلة المدرسة كل يوم وعينيها وكلماتها بتقول خليني معاكي يا ماما، وهي بتستنى يجيلها أخ أو أُخت وبتختار أسماءهم، وهي بتتفرج على الطيارة وبتحلم تركَبها في يوم، وهي بترقص بتلقائية أول ما تسمع مزيكا، وهي بتقولي أنا عايزة لما أكبر أبقى كذا وكذا. وأنا مع “فريدة” بيبقى عندي ليكي يا مصر كلام كتير وأسئلة أكتر.
من ساعة ما سمعت كلمة رامي مالِك وهو بيستلم الأوسكار، وأنا جوايا مزيج من شعور باللخبطة على قدر كبير من التوتر مع حبة إلهام وشغف. مش عارفة يا مصر إن كان قراري إني عايزة أفضل معاكي لأن حلمي ممزوج بيكي ومش بيتحقق غير وأنا هنا، ده أنانية ولا إيه؟! المشكلة إن ببساطة جوة الاختيار ده فيه اختيار تلقائي بختاره لـ”فريدة”، وهو إنها تعيش وتتعلم وتِكبر برضو معاكي هنا. متفهمينيش غلط، أنا مش جاية أهاجمك، أنا جاية أفضفص منِّك ليكي.
عايزة أَوَصيكي على “فريدة”، على حلمها اللي لسة صغير وبيتشكل، شايفة خَضارُه في عيونها مزَهزَه زي فرع صغير لسة بيفرد طوله من قلب الجِزع. إنتي عارفة هي بتقولي نِفسها في إيه لما تكبر؟ قالتلي بالحرف “أنا عايزة أرسم وأَبني عمارات وأرقص، هو ينفع يا ماما حد يبقى حاجات كتيرة؟”، قلتلها أيوة ممكن طبعًا، ده بيحتاج نتعلم ونحاول ونشتغل كتير لكن ممكن.
أنا شجَّعتها يا مصر تحلم وتتخيل اللي نفسها فيه، حلمي تقفي في ضَهرها، أو على الأقل متقفيش في وشها، خايفة ييجي يوم أشوف في عينيها لوم على قعدتنا معاكي، مش هقدر أجبرها تشوفك بعينيَّ، بس مش عايزاها في يوم تكرهك أو تشوفك سبب لإحباطها. يا مصر أنا جيلي كِبِر وأقلية منه اللي لسة بتختارك، بس “فريدة” من الجيل اللي كتير من أهله بيخلفوه بعيد عنك، بيوفروله خطة هروب منك من قبل حتى ما يعرف ينطق اسمك.. الحقيهم قبل يبقوا كلهم جيل الـ”من أصل مصري”.
آخر حاجة.. شفتي لمعِة عيون رامي مالِك وهو بيقول “بفكر إزاي هيكون الموقف لو كنّا قُلنا لرامي الطفل الصغير إنه في يوم هيقف زي ما أنا واقف كده، أعتقد إن عقلُه الصغير بشَعرُه الكيرلي مكانش هيستوعب! الطفل ده كان بيكافح مع هَويِّتُه، بيحاول يكتشف هو مين! أنا جزء من قصتي بيتكتب دلوقتي، ومش هكون في يوم ممتن أكتر من اللحظة دي لكل اللي آمنوا بيَّ.. هفضل مقدَّر ده لبقية حياتي”.
حسيت إني فخورة وسعيدة، ومتأثرة ومستَلهمة بالغشلقة اللي سمعتها في صوتُه، وهو ماسك الجايزة وبيحاول يشرح اللي بيحصل جواه! الغشلقة دي دليل على إنه وصل حتة في قصّتُه تستاهل صوته يروح وهو بيحكي عنها.
توعديني يا مصر لما صوت “فريدة” يغشلق يبقى من الفرحة مش من القَهرَة؟ توعديني؟