بسنت
تنظر ليّ طفلتي ذات الأشهر السبعة بانبهار شديد وأنا أعد لها الطعام في المطبخ، أو أقرأ لها حكاية أو أقلد لها أصوت لُعبة لتهدأ من
البكاء، تتكرر نظرتها المنبهرة كثيرًا إذا كنت أقوم بالكتابة أو أعمال المنزل أو الطهي أمامها، نظرة تخبرني بأن هناك من يُقدّر بالفعل ما
أفعله طوال 24 ساعة، تخبرني بعينيها البندقيتين الصغيرتين "كم أنتِ بطلة يا أمي!" نظرة تجعلني أتساءل: هل أنا بالفعل كما تراني
طفلتي، بطلة حياتها.. حتى الآن؟
الحقيقة أننا (أمهات الجيل الحالي) جميعنا بطلات ومحاربات، أحيانًا أشعر وكأنني أرتدي درعًا من الفولاذ مزودًا بأذرع إضافية وأزرار
لتلقّي الأوامر وتنفيذها أتومتيكيًا، لا أنزع هذا الدرع إلا وقت النوم أو حين أسقط من الضعف وقلّة الحيلة تجاه أمر ما، فأنظر لطفلتي
الصغيرة لأجدها تنظر إليّ بثقة، ثقة تخبرني بأننا خُلقنا لنصبح محاربات.. وبأن الأمومة تليق بالأبطال، وحدهم الأبطال يكونوا أمهات.
لأصل لهذا اليقين كان عليّ أن أتخطى أقوالاً من نوعية "إنتي لسّه شوفتي حاجة؟!"، "الخلفة هتبهدلك حياتك تمامًا"، كان عليّ أن أحارب
المحبطين والمحبطات، اليائسات من أمومتهن، كثيرات الشكوى واللوم والـ"ولولة" على حياة العذوبية الجميلة.. وقد كان.
تخطيت هذه المرحلة منذ أن رزقني الله بالحمل، كنت أعرف أنني إن شكيت أو عبرت عن تعبي سأواجه كل ما سبق، في البدء كنت
أصمت.. ثم تعلمت أن أتحدث بقوة تردع مرددي العبارات السابقة، حتى اختفوا من حياتي بنسبة كبيرة، أو أخفيتهم أنا.
قبل أن أصبح أمًا كنت أحسب انتصاراتي في الحياة بالإنجازات الشخصية والعملية، وبعد أن أصبحت "أم فريدة"، بات يحسب لي انتصار
صغير كل يوم أتعلم معها أو أعلمها شيئًا جديدًا، علمت أن بهجة الحياة الخالصة تكمن في متاعبها، حتى وإن كانت متاعب كبيرة، حتى
وإن كانت مسؤولية وإرهاقًا وتعبًا وحياة تتغير بالكامل، فقد اختارني الله لها، أعطاني الله هدية لا تُعوّض، وأنا لله من الشاكرين الحامدين
عليها.
عندما أرى أمًا في السوبر ماركت أو الشارع أو أمام مدرسة أطفال، تحمل طفلها وتحاول شراء احتياجات المنزل والسيطرة على زنّ
الصغير والتحدث في الهاتف لأمر مهم في العمل، أعرف فورًا أنها ترتدي درع المحاربات الفولاذي، أتمنى لو بإمكاني الذهاب إليها
والتربيت على كتفها كما يفعل الجنود في ساحات المعارك، لأخبرها أنها ليست بمفردها، لذا كان قراري بعدما مررت بمتاعب الحمل
والولادة وما بعدها، أن أطمئن كل أم أقابلها، أشدد من أزرها وأوجد بجانبها كلما سمحت لي الفرصة، كل أم أعرفها أو لا أعرفها
شخصيًا، كنت وما زلت على يقين بأنه لا يوجد من يشعر بك حقًا إلا من يمرّ بنفس ظروفك.
أمهات جيلنا اللاتي وجدن أنفسهن بين عشية وضحاها مسؤولات عن طفل وأسرة ومتطلبات منزل وعمل لا ينتهي دون مساعدة تُذكر،
محملات بالطموح والتغيير والرغبة في تحقيق ذواتهن بعيدًا عن قوالب المجتمع الجاهزة، أم عشرينية وجدت نفسها تحارب المجتمع
لتوفر لطفلها بيئة صحية مناسبة للنمو والعيش، تحارب لتنشئ طفلاً سويًا في مجتمع غير سوي بالمرة، أمهات لا يرضين بالسكوت
والمشي بجانب الحائط ولا يلتفتن لآراء المجتمع في طرق تربيتهن لأطفالهن.
كل يوم تستيقظ كل أم منا، لتواجه عشرات من الأصابع التي تشير نحوها للحكم عليها وعلى طريقة تربيتها لطفلها، تستمتع إلى "حرام
عليكي نزلتيه حضانة ليه ده صغير أوي؟!"، "إنتي ظلمتيه بالرضاعة الصناعي"، "ليه ابنك بيعيط؟"، "ليه بتشليه أول ما يعيط؟"، "إنتي
مدلعة ابنك جدًا"..وغيرها من عبارات التي يصبح علينا تجاهلها ومحاربتها يوميًا.
ننام ونستيقظ في نفس المعارك السابق ذكرها، مع إضافة أعباء العمل الذي لا يلتفت لاحتياجات الأم العاملة، ومع طلبات المنزل التي لا
تنتهي، والمجاملات الاجتماعية اللازمة، ومع ذلك نكمل المسيرة بروح الأبطال، نشحن طاقتنا ونكمل بشجاعة، أحيانًا نكملها كأم وأب
معًا، أمهات جيلنا ناجحات، وبطلات وملهمات، يستمددن القوة والحب من أمهاتهن، ولكن على طريقتهن الخاصة.
مقالي هذا لكل أم من جيلي تشعر أن صبرها على وشك النفاد، لكل أم لا زالت لا ترى في نفسها بطلة ومحاربة من الطراز الأول، لا
تشعر بالدرع الفولاذي الذي ترتديه، وربما أوشكت قوتها على النفاد، تخطي كل شيء، كوني أكثر قوة وتفاؤلاً، استمتعي بأمومتك حتى
لو لم يسمح لكِ المجتمع بذلك، احتفي واحتفلي بنفسك في كل يوم يكبر طفلك بحب، كل يوم مع طفلك هو عيد أم لكِ، عيد خاص جدًا
يخبرك كم أنتِ عظيمة