زرقا بس تقاطيعها مسمسمة

1878

“يا سودا يا زرقا يا قعر الحلة يا حُق الهباب”.

 

هكذا كان يدللني عمي في طفولتي.. كان يغنيها لي بأكثر من طريقة ويبتكر لها أكثر من لحن. أما أمي فكانت ترد عليه قائلة أيوه هي سمرا بس دمها خفيف وتقاطيعها مسمسمة.

 

لم يفكر أيهما في مشاعري أو في كيفية استقبالي لكلامه. لم يفكر أيهما في أن هذا الكلام يجرح قلبي الصغير.

 

لم أكن شقراء ولم يكن شعري ذهبيًا ولم تكن عيناي ملونتين، كما كان يشير كلامهما لمقاييس الجمال التي يريدون مني أن أكون عليها.. لكن الغريب الذي لم أستطع استيعابه أنهم جميعًا لم يكونوا كذلك. 

 

بعد انتهاء زيارة عمي كنت أسرق لحظات قصيرة أمام المرآة، فأرى نفسي أشبههم جميعًا. لم يكن لوني أزرق أو أشبه حُق الهباب الذي عرفت فيما بعد أنه الوعاء الصغير الذي يحتوي على ورنيش تلميع الأحذية الأسود.

لم أكن طفلة ضعيفة تكتم في قلبها أحزانها الصغيرة وتبكي عليها.. بالعكس كنت أرى نفسي ذكية.. عندي طاقة من الممكن أن أفجرها في وجه أي أحد.. والأهم، سليطة اللسان وأستطيع الرد على كل من يفكر في إهانتي.

 

وهكذا بدأت في المقاومة.

وتعلمت العنصرية المضادة.

عندما كان عمي يعايرني بسمار بشرتي كنت أكيده بقِصَر قامته وبياض بشرة ابنته الذي يشبه لو الجدران، وبحلاوتها التي تشبه الحلوى المتوفرة في كل المحلات.

وكنت أردد دائمًا المثل الذي يقول “البياض ع الحيطان والحلاوة في الدكان”.

 

لم يكن أمامي حل لمواجهة عنصريتهم تجاهي سوى بعنصرية مضادة تجاههم.. أشهرها في وجههم كالأشواك، فقط ليبتعدوا عني دون أن أؤمن بها أو تكون شعارًا لي في الحياة.

 

كنت أشعر بجمالي.. كنت أترك شعري منثورًا على كتفي ليطير في هواء الصباح عند ذهابي للمدرسة فأشعر أني جميلة.

كنت أحدق في الضوء القادم من السماء لتظهر لمعة عيني فأشعر أني جميلة.

كنت أمشي في وقت الغروب لتلمع سمرة بشرتي في أشعة الشمس فأشعر أني جميلة.

 

كل شيء حولي كان يشعرني بجمالي. هذا الجمال الذي أنكره أقرب الأقربين وتبنّته الطبيعة، وأظهرته كأحسن ما يكون.

 

وتعلمت من الطبيعة أن أجد الجمال في كل ما حولي. فكنت أرى كل الفتيات جميلات فقط يحتجن بعض الثقة ليشرقن مثل الشمس.. ليشرقن مثلي أنا.

 

السمراوات جميلات والشقراوات جميلات.

النحيفات جميلات وذوات المنحنيات جميلات.

الطويلات جميلات والقصيرات جميلات.

ذوات الشعر الأملس جميلات وذوات الشعر المجعد جميلات.

 

تعلمت أنه ليس من حق أحد أن يضع مقاييس للجمال، وأن يحكم علينا أو يحط من كرامتنا أو قدرنا وفقًا لمقاييسه الخاصة.

 

وتعلمت أن الجمال الحقيقي هو جمال الروح، وهو ما سيبقى بعد أن ننتهي ونعود لما خلقنا منه.. للتراب.

المقالة السابقةحكاية عن اللافندر والاحتواء
المقالة القادمةاضطرابات الأكل.. هل يشبع الطعام جوعنا إلى الحب؟

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا