رسالة اعتذار إلى موظفة خدمة العملاء

883

عزيزتي موظفة خدمة العملاء بإحدى شركات الاتصالات، حتمًا أنا لا أعرفك، لكنك ألهمتِني موضوع المقال، ربما لن تقرئي هذا المقال أبدًا، وربما شاركه معك أحد الأصدقاء على الفيسبوك فعرفتِ نفسك وقبلتِ اعتذاري، لن أكتب تاريخ المكالمة بيننا أو يومها أو اسم الشركة، فربما قرأتها موظفة أخرى وشعرت بأنني أكتب لها ففرحت.

عزيزي القارئ.. دعني أحكي لك ما حدث، باختصار حاول زوجي تغيير شريحة موبايله لأخرى من الصغيرة التي تستخدم في التليفونات الحديثة، أعطاه الموظف في الفرع واحدة لم تعمل لثلاثة أيام، وعندما ذهب لفرع آخر قال له إن عليه أن يتحدث لخدمة العملاء ليعرف الفرع المناسب الذي ينبغي أن يتوجه إليه.

في الحقيقة عندما قال لي زوجي هذه المعلومات كنت مضغوطة بدرجة كبيرة من الحياة ومشاغلها، بالإضافة إلى أن هذه المعلومات أشعرتني بالغيظ جدًا، وطلبت منه أن أهاتف خدمة العملاء فوافق.

قلت له بالنص “أنا أصلاً متغاظة وهمّ يغيظوا، خليني أفرّغ فيهم الغيظ ده”.

على الناحية الأخرى دعوني أتخيل سيناريو لا أعرفه، ولست متأكدة من حقيقته، امرأة تقاوم إحباطها في الحياة وتذهب إلى عملها التعيس والذي يتمثل في الرد على مكالمات تتكرر فيها نفس الأجوبة يوميًا وتتلقي مئات المكالمات الغاضبة الساخطة، وعليها ألا تغضب وترد بنفس الإجابات الباهتة التي تحمل الكثير من الود المزيف، وشبح ابتسامة سخيفة لا تفارقها حتى في بيتها.

اليوم تحديدًا شعرتْ بالغضب الشديد وذهبت إلى العمل وهي مترددة في تركه، والبحث عن آخر لا يطالبها بتلك الابتسامة البلهاء ولا الرد بهذا الشكل، ذهبت وهي في حالة مقاومة.

عزيزي القارئ.. دعني أتحدث قليلاً عن المكالمة، كانت مكالمة طويلة نسبيًا أحاول أن أنقل فيها غضبي وغيظي، قلت عبارات مهذبة وليست عدوانية، لكني كنت أحمّلها مسؤولية ما حدث من عدم مهنية شركتهم، وكنت أكرر أني أشعر بالغضب والاستياء، كلما حاولت الموظفة استخدام الكليشيهات المعتادة كنت أوقفها، وأكرر أن ما حدث غير مهنيّ بالمرة وأنا لن أخضع للروتين السخيف المعتاد في هذه الحالات.

البنت شعرت بالضغط الشديد ولم تخرج عن وقارها ولا ابتسامتها التي كدت أرى شبحها في التليفون، لأنها تعلم أن مديرها يحب شبح تلك الابتسامة ويتابع حيادية صوتها في التسجيلات التي يسمعها ويختارها بشكل عشوائي.

بعد انتهاء المكالمة التي لم نصل فيها لشيء، وبعد تفكير في وضع المرأة البائس، شعرت بالتعاطف معها، هي مجرد جزء من كيان غير منظم ولا تملك تنظيمه، وتتلقي وحدها كل الغضب والاستياءات، ولا تملك الدفاع عن كيانها أو كيان الشركة.

تعاطفت مع كل موظفي خدمة العملاء التُعساء، وتذكرت نادلة المطعم في فندق كنا نقضي فيه إجازتنا وكانت حزينة ولم تضطر لتزيف الابتسامة، كنت أريد التربيت عليها وإخبارها أنني سعيدة لأنها ليست مضطرة لأن تبتسم تلك الابتسامة المزيفة، كنت أريد إخبارها من حقك أن تحزني.

نعود عزيزي القارئ إلى موظفة خدمة العملاء التعيسة. عندما أخبرت زوجي بأنني أشعر بالذنب وأنني أريد مهاتفتها لأعتذر. عرفت مسبقًا أن الكيان الفاشل الذي تمثله لن يتيح لي أن أهاتفها، سترد عليّ موظفة أخرى أو موظف ليخبرني أنهم مُقدّرون ما حدث وأنهم سعداء بمكالمتي.

عزيزتي موظفة خدمة العملاء.. أعتذر بشدة، وأعرف أنك غير سعيدة بمكالمتي ومكالمات المئات من العملاء الساخطين، أعرف مدى تعاستك في كبت غضبك اليومي. وأريد أن أخبرك، من حقك أن تنفجري، وسأمنحك جلسة مجانية لأعلمك طرقًا فعّالة في إدارة الغضب والتعبير عنه بشكل صحي، سأكون سعيدة إذا تلقيت مكالمة منك، وأكرر اعتذاري إليك.

المقالة السابقةالمسافات المُقدسة
المقالة القادمةالنهارده عيد ميلادي

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا