خُد نفَسك

353

بسنت

تعبت من اللهاث وكأنني في مارثون لا ينتهي، كل شيء يتوقف عن الحركة في ميعاد معين، إلايّ.. هكذا كنت أنا منذ عام، أستيقظ
لأركض يوميًا في سباق لا أحد وضعني فيه سواي، حتى أثناء ساعات النوم المعدودة أشعر بضيق النفس والنهجان، وكأنني ما زلت
أركض وأركض دون توقف.

حولتني المسؤولية والروتين اليومي لأخرى غيري تمامًا، فأصبحت عصبية دائمًا، وشاحبة الوجه، وأنفجر في البكاء لأتفه الأسباب،
وأشعر بأوجاع صدري وعظامي وكأنني على وشك التمزق.

لم أكن الأم والزوجة التي أردتهما يومًا، ونفس الأمر بالنسبة للعمل، حتى عملي الذي أعشقه، أكل الروتين منه ما أكل. وفي لحظة أدركت
أنني أركض في نفس المكان، ولهاثي ليس له معنى مطلقًا، فلا أنا مستمتعة بأمومتي ولا بزواجي ولا عملي، لماذا وإلى متى سأظل في
هذا المارثون من المسؤوليات التي أثقلت نفسي بها؟

توقفت لحظة لألتقط أنفاسي وأجاوب نفسي على السؤال السابق، بعدما تحولت حياتي للون الرمادي القاتم، وأوشكت على الدخول في
موجة اكتئاب شديدة.

الحقيقة.. أنني توقفت عنوة وليس بمحض إرادتي، بدأ الأمر بحديث عابر مع زميلة عمل معرفتنا سطحية (أصبحت مميزة الآن)، كنت قد
كتبت شيئًا يعبر عن حالتي المثقلة باللهاث، فأخبرتني أن لروحي عليّ حق، وقالت لي بالحرف في رسالة قصيرة "متجيش على نفسك،
لأن الترس بيكي أو من غيرك هيدور.. سلامك النفسي بالدنيا".

استوقفتني رسالتها، وأنّه ما زال أحد يهتم بسلامي النفسي، الحقيقة أنني من أهملت في حقي أولاً، ثم حدث أن مرضت بعد ذلك،
واضطررت لتخفيف أعباء العمل والمنزل للنصف، وأصبح لديّ وقت إجباري لأتأمل ما وصلت إليه وما أتجه نحوه، حصلت على إجازة
إجبارية من كل مهامي لعدة أيام، والمفاجأة.. أن كل شيء سار على ما يرام هذه الفترة، بل أنه أصبح هناك متسعًا لروحي وعقلي.

بدأ الأمر يحدث تدريجيًا بعد ذلك.. هناك مسؤوليات لم يكلفني بها أحد، تخلصت منها واحدة تلو الأخرى، وتصالحت مع كوني لن أمتلك
أبدًا السيطرة على كل مقاليد الأمور، وأن بعض الفوضى أحيانًا هي السبيل الذي لن يضر، بل يفيد.

خففت المهام بالتدريج، واهتممت بي لأول مرّة منذ شهور، وزَّعت المسؤوليات وأصبح لديّ وقت كافِ لهوايتي وبراح لنفسي وزوجي
وطفلتي. يمكنني أن أقول الآن إن هذه هي "أنا" التي أردتها زوجة وأمًا وكاتبة.

كيف حدث هذا التحول؟ كيف تركت المارثون بصدر رحب وانضممت لصفوف المشاهدين؟
في البداية أدركت أنني سأنهار عاجلاً أم آجلاً، بهذه الطريقة التي لا تسمح لي بالتقاط بعض أنفاسي المشروعة، أستيقظ يوميًا مبكرًا قبل
الصغيرة لأنهي أطنانًا من عمل، لا يروق لي في نهاية الأمر ولا يحمل قدر الإبداع الذي أرغبه، ثم تبدأ رحلتي من تنظيف المنزل لطهو
الطعام والعناية بالطفلة في دائرة لا تنتهي على مدار اليوم.. والنتيجة: ألقي بنفسي جثة هامدة على الوسادة ليلاً منهمرة في البكاء، حتى
مداعبتي لطفلتي وحديثي مع زوجي أصبح روتينيًا وبلا روح أو تجديد.

أصبح التقاط الأنفاس حتميًا، لم أخسر عملي، ولكنني خففت أعباءه وبحثت عن شغفي الحقيقي، أعدت ترتيب الأولويات والأحلام
ووضعتني في أول القائمة وليس في آخرها.

امرأة سعيدة هي كل ما تحتاجه طفلتي وأبوها، وهذا ما عملت وما زلت أعمل لأجله، كان قرار التقاط الأنفاس مفاجئًا وحتميًا في نفس
الوقت. هي تلك الحالة التي ترغب فيها بالابتعاد عن كل شيء لتعود لنفسك قليلاً، تُعيد ترتيب كل ما بداخلك وتفعل ما قد لا يمكنك فعله
مستقبلاً.. عندما تقرر أن تكون عادلاً في استخدام وقتك وأن تُعيد وصل روحك بكل مسببات السعادة والحياة.

الآن أنا أهدأ.. أكثر ثباتًا وراحة، أتناول قهوتي على مهل وألاعب طفلتي بمرح حقيقي وعلاقتي بزوجي أكثر ترابطًا، ومؤخرًا اتخذت
سبيلاً للعودة لهواياتي الصغيرة. لا أستيقظ فزعة لأبدأ مارثون وهميًا ولا أنام باكية من الإنهاك الروحي والجسدي.

الآن أنظر لبعض أصدقائي داخل المارثون الوهمي الذي وضعنا أنفسنا به، أحاول يوميًا أن أقنعهم بالتروي والتقاط الأنفاس.. خُذوا
أنفاسكم من الركض لأن الحياة لن تعطيكم الفرصة لذلك إذا لم تقتنصوها الآن.. الآن وليس غدًا.

المقالة السابقة5 خطوات لتعلمي طفلك وضع خطة للمذاكرة
المقالة القادمةمترميش الباقي
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا