خمسة عشر قرارًا غيرت حياتي

1257

يمكنني أن أفضفض قليلاً ونحن على مشارف العام الجديد، دعوني أرجع إلى البدايات وأتذكر القرارات الهامة التي غيرت مسار حياتي وجعلتني أنا.

وأنا أكتب هذا المقال ترن في أذني قصيدة الجدارية لمحمود درويش، اسمعوها على اليوتيوب ستلتمسون بعض السكينة.

نعود للقرار الأول في حياتي والذي ما زلت أتذكره، وهو الكف عن حب توفيق الطالب في الصف الأول الإعدادي بينما كنت في الصف الثاني الابتدائي، قررت ذلك القرار حين صعدت على المسرح وكنت أرتعش لأنه كان يعزف الموسيقى بينما أقوم بدور الثعبان في مسرحية دينية، ولم يعجبني أدائي لأنني طوال الوقت كنت أركز في كيف سيراني توفيق وأنا أؤدى دور الثعبان بفستان أخضر وضفيرتين، وقتها قررت أن الحب من طرف واحد عذاب لن أفعله طيلة حياتي.

القرار الثاني كان التقرب إلى الله ومحادثته في تلك المواضيع التي لا يستطيع البشر حلها، فكنت أحدّثه وأنا ساجدة أصلي أنني أصدق بأن عصر المعجزات لم ينتهِ وأنه يمكنه أن يجعل شعري أنعم من شعر رشا أختي ويجعلني أتركه ينسدل على ظهري كما أحلم دومًا.

القرار الثالث كان الانتماء إلى ما أحب، وأكثر ما كان يبهرني هو حصص التعبير التي كانت تجعل المدرسة تشعرني بالتميز وتنسى كثيرًا في حصص الدين أن تسمّع لي سور القرآن التي لم أستطع حفظها أبدًا، لأنها تثق أن تلك المتميزة في اللغة العربية حتمًا تحفظ السور كاملة.

القرار الرابع كان الاستماع للبشر والتسلل إلى خباياهم، ما زلت أذكرني وأنا أجلس مع طفلة المرأة التي تنظف لنا لتحكي لي عن مرارة خناقات أبيها وأمها.

القرار الخامس كان أن أعمل في مهنة لها علاقة بالبشر والدفاع عن حقوقهم والتعبير عنهم، مرات كنت أقف خلف المروحة الصندوق وأستعير إيشارب أمي وأضعه على رقبتي وأمثل دور المحامي لأدافع عن أبطال القصص الورقية التي أقرؤها، ومرات كنت أريد أن أصبح كاتبة تعبر عن آلام المجتمع وتدافع عن فقرائه وتعلمهم في حلم ساذج طفولي.

القرار السادس كان الانتصار للحلم، فكنت بنتًا مراهقة تداعبها الأحلام هي وصديقتها أسماء في الثانوي، تجلسان عند شجرة النبق في الحوش الخلفي للمدرسة تلوكان حلمهما بدخول الجامعة والفتى الذي ينتظرهما في كلية الإعلام.

القرار السابع كان الانتصار للخيال، فنفس البنت المراهقة كانت تؤلف قصصًا عن حبيب خيالي تحكيها لأصدقائها في المدرسة كي لا يعرفوا أن أحدًا لم يخبرها أنه أحبها.

القرار الثامن كان الدخول لقسم علم النفس بجامعة القاهرة والتحويل من آداب إعلام جامعة عين شمس، لأنهم لا يملكون ساحة سحرية كجامعة القاهرة، فكنت على يقين بأنني سأعيش قصة حب تلعب فيها الساعة دور البطولة.

القرار التاسع كان حبي المميز والأسطوري لأبي، أدرك اللحظة الفارقة التي جعلتني أرى في أبي بطلاً لأحلامي يفتح لي السيارة باهتمام ويراقصني في الأفراح ويجالسني على المقهى في الحسين، سنوات طويلة قضيتها في تقليد أبي حب الحسين ومرارة القهوة السادة والأقلام الحبرية وانسيابها على ورق الصحافة الأصفر.

القرار العاشر هو التدريب في الصحافة والتعبير عن الجمال ورؤية الباطل والكتابة عنه وانتقاد الأفّاقين واللصوص وفضحهم.

القرار الحادي عشر كان أن أترك الصحافة وأنتمي لعلم النفس، أن أحقق حلم الطفولة، أن أنتصر للصغيرة التي تستمع أحلام الآخرين وتساعدهم، كان قرارًا صعبًا جدًا في الحقيقة، أن أخلع عباءة أبي الصحفي الذي علمني القراءة والكتابة وأنتصر لأحلامى الخاصة، كان صراعًا أجهدني لسنوات.

القرار الثاني عشر كان أن أحب رضوى أكثر من أي شخص آخر، وأنتصر لحقها في الحياة سعيدة دون عذابات، فهي تستحق الأفضل.

القرار الثالث عشر كان تعلم رؤية الله عبر روح شفافة تختبر الألم وتواجهه ببسالة.

القرار الرابع عشر أن أتخلص من ألم الولادة كي أرى سلمى، وما أدراك ما سلمى!

القرار الخامس عشر أن أسامح نفسي على كل الأخطاء التي ارتكبتها بقصد أو دون قصد، لأنني أعرف أن الله يسامحني هو الآخر. لا أعرف متى أدركت العلاقة بين غفراني لنفسي وغفران الله لي.

في النهاية أعرف أن كل تلك القرارات صنعتني وكان يمكنني أن أكون أخرى بدونها، وأذكركم وأنتم تنهون مقالي هذا بالاستماع لجدارية محمود درويش.

المقالة السابقةالقاهرة – غزة 1: وليكن لنا من اسمك نصيب
المقالة القادمة15 طريقة مجربة للتخلص من التوتر

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا